المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الحوثيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: 372 قتيلاً خلال 4 أشهر    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    الرسائل السياسية والعسكرية التي وجهها الزُبيدي في ذكرى إعلان عدن التاريخي    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    الرئيس الزبيدي: نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    من يسمع ليس كمن يرى مميز    معاداة للإنسانية !    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفيد آخر أئمة اليمن:ما يجري في اليمن صراع بين نخبة حاكمة على خلفية تظاهرات شعبية
الإمامة نظام سياسي عام قام على أكتاف كل يمني في كل طرف من أطراف اليمن
نشر في يمنات يوم 27 - 06 - 2011

بعد اشتعال ثورة الشباب زادت القوى المعارضة لحكم الرئيس علي عبد الله صالح من وتيرة نشاطها, وانخرطت في الثورة السلمية تطالب بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه. من ضمن هذه القوى الحراك الجنوبي ,والحوثيون,ثم بعد ذلك انظم المشترك,فمعارضة الخارج,وصولا إلى بعض أركان النظام نفسه الذي شعر بمخاطر مواصلة الإبحار في سفينة صالح التي توشك على الغرق.
وكان انشقاق اللواء علي محسن وانضمامه وعدد من المحسوبين عليه إلى ثورة الشباب,والدعوة الى محاكمة الرئيس وأبنائه!
أسرة آل حميد الدين التي تعيش في المنفى منذ عشرات السنين, ظلت بعيدة عن تداعيات المشهد اليمني خلال 30 عاما الماضية, وما قبلها إلا أنها تفاعلت مع مشهد الثورة السلمية بطريقتها الخاصة. وكان ل((الشارع)) لقاء خاص مع أحد أحفاد آخر أئمة اليمن الكاتب والباحث عبد الله حميد الدين, تناول موقف أحفاد الأسرة المالكة سابقاً مماجرى في اليمن,واحتمالات عودة آل حميد الدين إلى وطنهم,وعدداً من القضايا الأخرى,فإلى تفاصل اللقاء.
أجرى الحوار:حميد رزق
ظهورك على قناة العربية في برنامج محطات اثار ردود فعل متفاوته في الداخل اليمني ويتساءل الكثيرون من هو عبد الله حميد الدين ؟
أولا لا بد من أن أشكر الأستاذ تركي الدخيل وقناة العربية على إتاحة هذه الفرصة. كما أشكر من استقطع من وقته لمشاهدة الحلقة والمشاركة بالرأي. وأشكرك أستاذي حميد على اهتمامك وإتاحة الفرصة لي لمزيد من التفاصيل والتوضيح لبعض القضايا التي أثيرت في الحلقة أو لقضايا أخرى مما يهم الشأن اليمني. وسواء اتفقنا أم اختلفنا فالغرض هو الإنسان اليمني أولاً قبل شيء الذي قد آن له أن يستريح من المعاناة الطويلة التي عاشها طوال القرن والنصف الماضي.
عن نفسي. أبحث في الفلسفة والدين عن صيغة فكرية روحية تتواءم مع الإنسان الجديد الذي خلقته الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعلمية خلال القرنين الماضيين وعلى وجه الخصوص خلال الخمسين سنة الماضية.
بداية بحثي كان في نطاق الفكر الزيدي. وقد نشطت في هذا فترة ساهمت في خدمة فكر الزيدية من خلال المشاركة في تأسيس مؤسسة الإمام زيد وإدارتها لفترة من الزمن.
ثم حصلت تحولات أقنعتني بأن الهوية مكون اجتماعي تاريخي مرتبط بمصالح ظرفية. وأنه لما تختلف الظروف التاريخية يجب إعادة تشكيل الهوية بما يتلاءم مع ذلك. وخرجت على ضوء ذلك بفكرة أن علي تجاوز هويتي المذهبية والخروج بصيغة مختلفة. وصرت أتعامل مع الزيدية باعتبارها رافدا يغذي بحثي ولكن ليس باعتبارها هويتي. وهذا الفصل بين الهوية وبين الرافد، حررني بشكل غير عادي. فصرت أرى كافة المدارس الفكرية المسلمة وغير المسلمة رافداً يغذي البحث. وقلت المسافة النفسية بيني وبين كافة الأفكار. وصار تركيزي كله على صياغة شكلي لليوم وغداً، وصرت أتعامل مع الماضي لا باعتباره شكلاً أريد إعادة بحثه، بل باعتباره معيناً أحافظ عليه لأنهل منه بحسب الحاجة. فخرجت من نطاق المذهبية تماما وبدأت عملا فلسفيا مختلفاً بعنوان الكينونة المتناغمة تمخض منه كتاب صغير ومجموعة مقالات ولقاءات حوارية خلال الثلاثة سنوات الماضية.
كما أهتم بالتنمية وخصوصا التنمية السياسية باعتبار أن خلق توازن إيجابي بين مصالح الأطراف المختلفة في المجتمع، هو شرط أساسي لكافة التحولات والتطورات الإيجابية في المجتمع. أيضاً أهتم بالتنمية الثقافية باعتبار أن طريقة التفكير الثقافي هي عامل اساسي يحكم كافة التفاعلات بين أفراد المجتمع.
- لماذا لا تعود أسرة آل حميد الدين الى اليمن كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات في اطار الدستور والقانون؟ أم أن ثمة موانع تحول دون ذلك ؟
الجواب له جانبان. سياسي وشخصي أو لأقل إنساني.
سياسياً يجب توجيه هذا السؤال وبإلحاح للجهات التي أخرجت الأسرة من اليمن وأصرت على تشويه سمعتها وصورتها خلال الأربعة العقود التي مضت وأخذ حقوقها بغير أي وجه شرعي. أليس اليوم وقت الإعلان عن طي الخلافات؟ ألم يحن الوقت لتجاوز عبارات التخوين والتسفيه والانتقاص والكراهية؟ هل تم تصحيح الرؤية التاريخية؟ هل تم إعادة الحقوق؟
إن اليمن لم يكن بحاجة إلى أن يعيش بأزمة مع ماضيه. المواطن العادي ما كان بحاجة إلى تحمل أعباء الكراهية والحقد. تجد شخصاً لا يعرف الأسرة ولا أفرادها ولا قرأ في التاريخ شيئاً ولكنه يضمر حقداً وغضباً وحنقاً. من المتضرر من هذا؟ أليس هو؟ أليس اليمن المتضرر من هذه المشاعر السلبية تجاه نفسه؟ الكراهية والغضب غير المبررة ترتد دائما على صاحبها.
سياسياً أيضاً يجب توجيه السؤال للقوى السياسية والاجتماعية المختلفة التي تدعو إلى المصالحة الوطنية بمعناها الشامل؛ أي الذي يشمل المصالحة مع الحاضر ومع التاريخ. وعلى من يريد مصالحة شاملة أن يتقدم بخطوات للمطالبة بهذا. وقد حصل فعلا بعض هذه المبادرات الفردية خلال السنوات الأخيرة. ولكنها محدودة. لماذا لا يتم دعوة أفراد من الأسرة ليكونوا طرفا في هذه المصالحة الشاملة. حتى لو هم سعوديون اليوم إلا أن لحضورهم قيمة رمزية وعملية عالية.
سياسياً أيضاً يوجه لمن يرى أن لأفراد هذه الأسرة ما يقدمونه لليمن كمواطنين سعوديين ذات جذور يمنية راسخة وذات علاقات اجتماعية قوية في اليمن وذات ثقافة اجتماعية وأسرية يمنية. اليمن بحاجة إلى كل القدرات والطاقات الخروج من أزمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية. ولدى الأسرة الكثير مما تقدمه هنا. ولكن هنا أيضاً الخطوة الأولى تأتي من الطرف الثاني.
ما أقوله هنا هو إن من يرى في هذه الأسرة أو في بعض أفرادها ما يضيف أو يفيد، فإن عليهم هم اتخاذ خطوة في ذلك. مع ذلك فإنه يتم التأكيد في مناسبات متعددة ولقاءات متنوعة بين أفراد من الأسرة وبين بعض أعيان وقيادات يمنية أنهم على استعداد تام لخدمة اليمن بأي شيء، سواء ظهروا أم لم يظهروا. اليمن تبقى وستبقى أولوية وجدانية وسياسية للكثير في هذه الأسرة. ولا يتعارض هذا مع وضعها الجديد.
ولكن المسألة ليست سياسية فحسب، بل فيها بُعد إنساني لا بد من مراعاته. فلا يمكن الحديث عن عودة جماعية للأسرة بغير مراعاة طبيعة التكوين الذي مرت به الأسرة خلال الأربعين سنة الماضية. فالأسرة خرجت من اليمن نهائياً في 1970، سوى الأمير الحسن بن الحسين الذي بقي في الجوف إلى 1974 ليكون آخر من يغادر اليمن. وبعدها استقرت الأسرة في أكثر من مكان. فتوزعت بين السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ومصر والإمارات العربية والأردن ولبنان. كل ذلك على فترات متفاوتة وبأعداد مختلفة. واليوم الأسرة تشمل أكثر من 300 شخص أغلبهم وُلد خارج اليمن ويعيش بين السعودية وأمريكا والإمارات العربية. وأفراد الأسرة ذكوراً أو إناثاً لهم طموحات متنوعة وتطلعات متعددة وفي الوقت نفسه أولويات مختلفة. وكلهم صارت له جذور اجتماعية ومصالح معيشية في المكان الذي يعيش فيه.
صحيح أن الشعور بالغربة لا زال يطغى على الكثير من الأسرة، والحنين إلى اليمن قوي بدرجة خرافية لدى أغلبهم، ففي نهاية الأمر لا يمكنك أن تمحي تاريخاً عمره 1100 سنة. وعلاقة أفراد الأسرة باليمن لا يمكن تجاوزها. أكثر من 25 جيلا من أجدادنا مدفونون في اليمن. تزوج أبائنا في اليمن. ترعرعوا في اليمن. شبوا في اليمن. ماتوا في اليمن. ودفنوا في اليمن. اليمن في عروقنا شئنا أم أبينا. وهذا أمر محسوم ولا أظن أنني بحاجة إلى التشديد عليه. اليوم تدخل إلى منزل ابن حميدالدين وتجد الطفل الذي لا يعرف ما هي اليمن وهو يتكلم بلهجة صنعانية قديمة لم تعد موجودة إلا لدى بعض من يسكن صنعاء القديمة. تجد الطعام الذي يفضلونه ويأكلونه هو الطعام اليمني. تجد صور اليمن. تحف من اليمن. اللبس اليمني التقليدي لا زال. ولكن مع ذلك، فلا بد من أن نأخذ بالاعتبار أن قرار الانتقال من مكان إلى آخر لا يراعي فقط الحنين أو الانتماء أو الحب. بل هناك اعتبارات قوية وملموسة وقاهرة تغلب ذلك كله. وهذا تجده في كل الأسر التي هاجرت وليس فقط أسرة الإمام يحيى.
ثم لا يغيب عنا أن الكثير من أفراد الأسرة قد اندمج مع المجتمع الذي يعيش فيه، وانصهر في قضاياه، وصارت همومه الأساسية هي هموم مجتمعه الذي احتضنه، والذي يعيش أبنائه مع أبنائهم، والذي احتواه واعطاه فرصة التنفس، واكرمه، ولم يهنه، وقدر مكانته التاريخية، وموقعه الاجتماعي، وكفاءاته الشخصية. فبالنسبة لهولاء اليمن ذكرى بعيدة، وربما ذكرى مؤلمة.
ولكن حتى من يحن لليمن فإن مجرد التفكير في العودة يصطدم بأكثر من حقيقة.
منها الاستقرار الذي هو فيه. فلا يمكن التفكير في الانتقال بغير النظر إلى الخسارة التي سيتكبدها المرء. خسارة اجتماعية ومالية ونفسية وغيرها. الناس استثمرت في مكان استقرارها. ومن الصعب أن تطلب منهم التخلي عن كل ذلك.
ومنها الأفق الموجود في اليمن. فماذا تقول لمن تريد أن تقنعه بالعودة إلى اليمن؟ هل العاطفة والحنين تكفي؟ بالنسبة للبعض نعم. ولكن بالنسبة للأغلب فإنه سيفكر في تعليم أبنائه، وفي علاجهم، وفي فرص العمل، وفي الأمن والاستقرار.
- الرئيس صرح قبل سنوات أنه سيقوم بتعويض أسرتكم عن املاكها المصادرة في اليمن هل استلمتم شيئاً من ذلك؟
كلا لم نستلم شيئاً. والتصريح كان مناورة سياسية إعلامية ليس إلا. ثم إن موضوع الأملاك موضوع سياسي محض. فالأسرة لم تملك شيئاً من المال العام. بل معروف أن الإمام يحيى شكل لجنة لتقييم كافة أملاكه والتأكد من براءة ذمته. والإمام أحمد أوصى بكافة ما يمكله إلى بيت المال براءة لذمته أيضاً. والأسرة بشكل عام لم تكن من الأسر الثرية بمعايير ذلك الزمان. ولا بد من يوم ينظر في هذا الأمر ويتم التعويض لما تمت مصادرته وإرجاع ما تم أخذه.
هل ستسعون لا نتزاع حقكم في المواطنة والعودة وحتى المشاركة السياسية ان اردتم ؟
السؤال هذا يرتبط بالسؤال السابق في الموضوع نفسه.
ولكن بما أنك أثرته بطريقة اخرى دعني أجيب عليه بطريقة أخرى أيضاً.
أنت ذكرت هنا أكثر من أمر: المواطنة والعودة والمشاركة.
بخصوص المواطنة، لا يوجد سعي من الأسرة كأسرة نحو ذلك. الأسرة كلها تحمل الجنسية السعودية. ولما قررت الأسرة أن تحمل هذه الجنسية فقد كان واضحا لها أنه قرار مصيري ومحسوم. ولكنها اتخذته لاعتبارات متعددة. وهذا القرار لا عودة عنه. ربما هناك البعض من الأفراد الذي يطمح إلى حمل المواطنة اليمنية. لا أستطيع أن أنفي هذا فالأسرة كبيرة ولست متحدثاً عن كل فرد فيها. ولكن إذا حصل هذا فسيكون كمن يحمل جنسيتين وهذا سيواجه مشكلات قانونية مختلفة. لأن نظام الجنسية السعودي لا يسمح بحمل أكثر من جنسية. ولا أعرف من الأسرة أحداً مستعداً اليوم التخلي عن جنسيته السعودي لأجل الجنسية اليمنية.
بخصوص العودة، هناك الكثير من أفراد الأسرة ممن يتحدث عن عودة في المستقبل ولكن على شكل زيارات ليس إلا. وهناك القلة القليلة ممن يفكر في العودة والاستقرار، ولكن ليس بالضرورة كمواطن يمني. بل ربما يفكر ويعيش كمواطن سعودي في اليمن. فالجنسية شيء ومكان العيش شيء آخر. ولعلي أضيف أنه يمكن للفرد أن يحافظ على يمنيته بغير أن يكون مواطناً يمنياً. أن تكون يمنياً لا يتم اختصاره بالمواطنة الرسمية.
أما المشاركة السياسية فهذا أيضاً غير مرتبط بالجنسية بشكل كامل. هناك من يريد أن يشارك في الحياة السياسية اليمنية ولكن من موقعه كسعودي. وبالنسبة لهذا فهو واضح له سقف المشاركة، ومقتنع به. وهذا موقفي الشخصي. أنا أريد أن أقدم كل ما أستطيع لليمن ولكن ليس كمواطن يمني بالمعنى الرسمي، وإنما كشخص ينتمي تاريخا ووجدانا وثقافة رافدة إلى اليمن، ولكن ينتمي الآن سياسياً ووطنيا وولائيا للسعودية. ومرة أخرى لا أنفي وجود من يريد المشاركة السياسية الكاملة وبالتالي يريد المواطنة اليمنية الكاملة لكي يمكنه ذلك.
هل تقومون بزيارات عائلية او اجتماعية ؟
غير مسموح لنا الذهاب إلى اليمن. أو لأكون أدق لا يسمح لأي رجل من الأسرة زيارة اليمن. كان مسموحاً للسيدات، ولكن تم التضييق عليهن مؤخراً. أما سبب المنع أو مصدره فليس واضحاً. يعني بعبارة أخرى نحن نتحرك وفق استصحاب الحال. المنع كان قائماً وما تم رفعه. ربما لو ذهبت إلى المطار فلن يتم منعي. ربما لن يعرفوا أني من أسرة الإمام يحيى تحديداً. فلقب حميدالدين يضم أسر أخرى لا يوجد عليها حظر.
برغم مرور حوالي نصف قرن على الثورة ما يزال فوبيا عودة الامامة يرفع في وجه شرائح مختلفة في الداخل اليمني ، هل مازال مشروع عودة الإمامة قائم في أجندة ال حميد الدين؟
الجمهورية امتداد طبيعي للإمامة. بل مرحلة متقدمة عنها. وكان يمكن الوصول لهذه المرحلة بغير ثورة. بل أغلب شخصيات أسرة الإمام يحيى في خمسينيات القرن الماضي كانت إما ناصرية وإما تقدمية. ولكن حصلت الثورة. وكان ما كان. وذهب ما ذهب. الآن نحن أبناء اليوم.
كون الجمهورية أتت بثورة دموية لا يقلل من قيمة الجمهورية. وكون الثورة كانت على الإمامة لا يعني أن الإمامة سيئة بالضرورة إلى الأبد. علينا أن نتجاوز التفكير في كيف صار ما صار. ونفكر فقط فيما هو موجود وإلى أين نريد أن نتجه.
الإمامة جزء لا يتجزأ من التاريخ اليمني، فيها تكونت الدولة اليمنية الحديثة والتي قامت على عدل وأمن وقداسة للمال العام ونزاهة للقضاء وهيبة للدولة. وفيها تكونت الهوية اليمنية التي كانت أساس كافة الجهود التوحيدية لأطراف البلاد. ففي عهد الإمامة شكلت المستند لكل مطالبات الوحدة مع الجنوب اليمني. والإمامة هي التي حفظت استقلال اليمن وتماسك أطرافه في مرحلة تفكك الدولة العثمانية ودخول الاستعمار إلى جميع الأقطار العربية والإسلامية. والإمام يحيى شخصية مركزية في تاريخ اليمن عموماً وفي تاريخ اليمن الحديث خصوصاً. وهذه أمور لا يجوز الاستمرار في التعامي عنها.
المشكلة أن خطاب مشروعية الجمهورية اختلط عضوياً لأسباب متعددة بضرورة البراءة من الإمامة. وهذا مصدر فوبيا الإمامة. كأن ذكر الإمامة بموضوعية يعني التخلي عن مشروعية الجمهورية. وهذه مشكلة كبيرة. لأن قيام الجمهورية ارتبط بإعدامات دموية وبسيطرة أجنبية على اليمن. والمفروض هو التفريق بين الثورة وبين الجمهورية. بين السبب وبين النتيجة. السبب ليس بالضرورة صواباً، ولكن النتيجة مصيبة.
فآن الأوان لتجاوز هذا الخلط. النظام الجمهوري واقع وقائم. أو لأكون أدق عبارة. التوجه نحو بناء نظام جمهوري واقع وقائم. وأما الواقع فلا زال اليمن يخطو نحو هذا. ولا زال عالقاً في برزخ. ولكن الأمل موجود في أن يصل إلى مبتغاه. ما أريد أن أقوله إن مشروعية النظام الجمهوري منفصلة عن الإمامة. مشروعيته ليست مستمدة من نفي الإمامة. ومشروعيته ليست مستمدة من تبرئة الثورة كفعل عسكري سياسي. النظام الجمهوري وحق اليمن أن تكون جمهورية مستمدة من طبيعة النظام الجمهوري، من إرادة الناس، من كونه يقدم لليمن أفقاً سياسياً لم يعد ممكناً تخيله من خلال أفق آخر.
إن تحقيق سلام بين الماضي والحاضر ضرورة حيوية. لا أقولها لأن جدي كان إمام اليمن. أو لكي أحسن من صورة أسرتي. في نهاية الأمر كلنا لا نتجاوز بضعة مئات أفراد. وللأمانة أكثرنا لا يدري ما يقال في اليمن عنهم. بل لا يكترث. فحياتنا تمضي بخيرها وسوئها سواء الناس ذكرتنا بخير أو بسوء. إنما أتحدث هنا عن الأكثر من عشرين مليون إنسان الذي يعيشون في اليمن. هؤلاء يستحقون مستقبلا أفضل. وهذا المستقبل له مقومات متعددة، منها هي المصالحة مع الماضي الذي هم جزء منهم. مصالحة مع الماضي الذي قام عليهم هم، فالإمامة ليست الأئمة وبضعة عشرات ممن حولهم. الإمامة نظام سياسي عام قام على اكتاف كل يمني في كل طرف من أطراف اليمن. لا يجوز ان نستمر في اتهام هؤلاء بالتخلف والرجعية ووصمهم بكل ما هو سيء.
أما أن الإمامة في أجندة آل حميدالدين، فهذا لوضوحه قد لا يحتاج إلى جواب. الإمامة مرحلة تاريخية مضت. ولا يوجد في بيت حميدالدين من يفكر فيها. وإن كان فهو لا يتحدث بذلك صراحة لأنه يعلم أنه لا يمكن قبول هذا من أحد.
- لكن هناك من يرى امكانية عودة الامامة من نافذة الفكر والثقافة الزيدية الهادوية والمسألة هنا تتجاوز طموح اسرة الى تيار ديني يغذي هذه الطموحات ما رأيك ؟
مرة أخرى أقول بأن الإمامة مرحلة تاريخية مضت. لا إمكانية لعودتها على الإطلاق. الإمامة كانت تتلاءم مع ظرف تاريخي واجتماعي وسياسي وثقافي من نوع ما. ولكنها اليوم لا يمكن أن تتوافق معه.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يحق للبعض الحلم في هذا، بل والدعوة إليه. هم لن ينجحوا لأن الواقع لن يؤيديهم. بمعنى آخر لنتخلى عن فوبيا الإمامة. وليحن إليها من يحن. وليطمح إليها من يطمح. ولكن يجب أن نثق بأن اليوم الحكم للشعب.
- ألا ترى ان الحركة الحوثية تعمل على اعادة الامامة بمفهومها التقليدي في الفكر الزيدي التاريخي ؟
لا يظهر في كلامهم ما يدل على أنهم يريدون عودة الإمامة. هم يريدون حقوقهم السياسية والاجتماعية والفكرية الطبيعية. اما خطابهم الثقافي فهو وإن كان يشدد على مركزية أهل البيت إلا أن تحويله إلى واقع سياسي مستحيل. هم اليوم مثل حزب الله في الثمانينيات في لبنان. كان يتحدث عن مشاريع سياسية كبيرة ومثالية ولكن الواقع فرض عليه أموراً. كان مشروع حزب الله هو الثورة الإسلامية في لبنان. وشاهدت بنفسي طوابع لحزب الله فيها هذا الشعار. ولكن انظر إليهم اليوم. هم جزء أساسي من الدولة اللبنانية العلمانية الطائفية الديمقراطية بكافة تناقضاتها. وكذلك الحوثيون. خطابهم النقوي والمثالي اليوم إفراز طبيعي للقهر والقمع الذي مروا به. أنت تتكلم عن جماعة تكونت نتيجة لحرب مدمرة. في مثل تلك الظروف لا يمكن أن تتوقع إلا هكذا خطاب. ولكن انظر إليهم اليوم. تجدهم اليوم يقدمون أنفسهم بشكل براغماتي نفعي سياسي. يتصرفون بحكمة بالغة، ويتحدثون بلغة شمولية راقية، ويديرون مناطقهم بشكل بديع. ومن يتابع أمورهم في صعدة يذهله قدراتهم الإدارية وطريقة تعاطيهم الاجتماعية. فمهما اختلفت معهم، ومع خطابهم، ومع بعض مواقفهم، إلا أنه لا يمكن للمرء إلا أن يقدرهم.
- كتبتم موضوع عن الامامة والنظام الجمهوري وقارنتم فيه بين النظامين وتوصلتم الى ان الامامة والجمهورية ترتكزان على قواعد ومقومات متشابهة ، على أي اساس بنيتم هذه المقارنة ؟
قلت هذا في مقالة قديمة نشرتها في مجلة الرائد بعنوان "الإمامة والجمهورية قطيعة أم استمرار". كما كررته في كتاب "الزيدية قراءة في المشروع وبحث في المكونات". وخلاصة الفكرة هي أن مقومات الإمامة الأساسية هي خمسة: الأول: المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية. الثاني: إن النظام السياسي العادل من مقومات الدين. الثالث: وجوب المشاركة السياسية الفاعلة من الجميع. الرابع: إن الدولة تعبر عن مصالح المجتمع بجميع أطيافه واتجاهاته المختلفة. الخامس والأهم: القيادة في الدولة قيادة سياسية، وليست زعامة دينية.
وإذ أقول هذا فلا أريد أن يُفهم أنني أقول إن الإمامة نموذجية. بل أنا أقول إن تلك الأفكار لم تحقق مبتغاها الكامل بسبب فكرة الحصر في البطنين. ما أردت قوله تحديداً هو أننا لا نجد قطيعة بين فكرتي الإمامة والجمهورية. بل يمكن تصور الثانية تتمخض من الأولى. الملكية مثلا تتعارض من حيث المبدأ مع الجمهورية. الانتقال من الملكية إلى الجمهورية نقلة ثورية بكل معنى الكلمة. أما النقلة من الإمامة إلى الجمهورية فأتصور أنها نقلة في الدرجة.
- ما رأيك في قضية التشابك والخلط بين آل حميد الدين كأسرة حاكمة خلال العقود الماضية وبين الزيدية فكرا وثقافة ومذهبا ؟ بمعنى اخر الم تتأثر الزيدية بخروج ال حميد الدين من السلطة ؟
الزيدية تأثرت سلباً بدخول التيار السلفي المتشدد إلى اليمن أكثر مما تأثرت بخروج آل حميدالدين منها. بل تأثير السلفية المتشددة على الزيدية كان أسوأ من تأثير الثورة. الثورة ثم النظام الجمهوري لم يستهدف الزيدية بشكل مباشر وعقائدي ومنظم. نعم كان هناك أجنحة ذات توجهات عقائدية ضمن الصفوف القيادية للثورة ولعبت هذا الدور بدرجة ما في البدء. ولكن مع دخول المعاهد السلفية إلى اليمن حصل هجوماً منظماً على الزيدية بل حتى على الشافعية والصوفية بل وكل شيء يختلف عنهم بل كل شيء جميل في اليمن. أنت تتحدث عن فئة لا تعرف كيف تتعامل مع المختلف عنها إلا بالاستئصال. أفقها لا يتجاوزها. طبعا الوضع تغير بعد ذلك. فكثير من القيادات المتشددة تغيرت وأولوياتها اليوم اختلفت. المشكلة أن التأثير الذي حصل بسبب التيار السلفي المتشدد لا زال مستمرا إلى اليوم. بمعنى أنه حتى بعد أن ضعفت القدرات المادية والاستئصالية للسلفية فإن الزيدية اليوم هي مطبوعة برد فعل. السلفية لا زالت هاجس الزيدية حتى بعد زوالها.
فالزيدية قبل السلفية كانت أكثر شمولية، وكانت الهوية المذهبية أكثر ميوعة، وكان الحدود بين ما هو زيدي وما هو غير زيدي ضبابي للغاية، بل لم يكن المذهب عنصرا أبدا في التعاملات والخطاب السياسي. كانت كلمة زيدية جغرافية أكثر من كونها مذهبية. انظر إلى تحالفات القبائل "الزيدية" إبان قيام الإمام يحيى. تتعامل مع الملك عبدالعزيز الوهابي، ومع الشريف الإدريسي الصوفي الشافعي. بل انظر إلى الفئة التي اغتالت الإمام يحيى. لم تكن المذهبية عاملاً. ثم انظر إلى الثورة. بل انظر إلى تصنيف الزيدية في الماضي لمحمد الشوكاني ولمحمد بن إسماعيل الأمير مثلاً. كانوا يصنفون أنهم زيدية، وإن كان يتم انتقادهم بل ربما "سلخهم". ولكنهم بقوا زيدية. وبقيت كتبهم مصادر مهمة بين الزيدية انفسهم. وهكذا. تجد أن المذهبية لم تكن عاملاً جذرياً في العلاقات الاجتماعية والسياسية في اليمن. ولكن بعد دخول تيار السلفية المتشددة تغير هذا. وشرح أسباب التغيير ومراحله يطول. المهم اليوم الزيدية صارت أكثر طائفية وهويتها المذهبية أكثر تحديداً. وهذا كله من أثر السلفية المتشددة. أيضاً صارت الزيدية أقل اهتماماً بالأبعاد العقلانية فيها، وأكثر اهتماما بالأبعاد الشيعية فيها. وأعني بالأبعاد الشيعية فيها تلك العناصر التي ترفع من شأن أهل البيت وتؤكد مرجعيتهم. وهذا كله كان بسبب السلفية المتشددة، ورد فعل لوجودها إلا أنه مستمر إلى اليوم للأسف. وهناك محاولات لخلق خطاب فكري بين الزيدية لتجاوز هذه الأزمة الحالية. ولكن الاستجابة له محدودة بسبب الشعور العالي بالاستنفار لدى الزيدية اليوم.
- قلتم في بيان صادر عنكم ان معيار التفاضل كسبي لا وراثي ، هل ذلك رأي خاص أم ان الزيدية والهاشميين تجاوزوا نظريات حصر الحكم في البطنين ؟
أظن أن الكثير من الهاشميين والزيدية تجاوزا الفكرة عملياً. أي لا أحد يؤمن بإمكانية الإمامة اليوم. أما فكرياً فالأمر مختلف. البعض لا زال يظن ان هذا هو الأفضل بناءا على قراءتهم الخاصة للنصوص الشرعية. في حين أن هناك أصواتا متزايدة تؤمن أنه حتى فكرياً لم يعد ممكناً قبول ذلك المبدأ. ثم إن أغلب من تحول فكرياً يستند في ذلك على قراءة مغايرة للنصوص.
شخصياً أنا لا انظر إلى النصوص. فقبل النصوص يجب أن نقرر هل يمكن أخلاقيا قبول أن تحصر الإمامة في فئة نسبية ما؟ في وقت مضى كان هذا مقبول أخلاقياً. وبعض الأمور المقبولة أخلاقيا هي نسبية. مثل الرق. كان مقبولا يوما ما، ولكن اليوم يستحيل أن يقبله أحد. وهكذا الإمامة، كان يمكن قبولها في فترة ما. ولكن اليوم هذا غير مقبول أخلاقيا البتة. وبالتالي مهما كانت النصوص فهي فرع بالنسبة لي على المبدأ الأخلاقي الكلي.
- من وجهة نظرك هل ثمة انعكاسات سلبية او ايجابية على الفكر الزيدي جراء ظهور الحوثية ؟ وما مستقبل هذه الجماعة في المدى المتوسط والبعيد؟
أولا الحوثية ظاهرة يمنية. وهي أكبر من الزيدية ومن الهاشميين. ولا بد من التعامل معها على أنها ظاهرة لليمن ككل. ومن هذا المنظور فهي ظاهرة إيجابية كبرى لليمن. غيرت معادلة القوى في اليمن لصالح اليمنيين كافة. وقدمت نموذج إدارة راق في المناطق التي يحكمونها.
هذا لا يعني أنهم لم يرتبكوا أخطاء في مناطقهم أو مع من حولهم، كما كان في موقفهم من السعودية، ولكن تلك الأخطاء لا تغير من واقع النجاحات شيئاً.
أما بالنسبة للزيدية، فالحوثية تمثل فرصة تاريخية لتطوير خطاب زيدي ينتمي بقوة إلى التاريخ وحاضر بفعل في المستقبل. خطاب يعيد الزيدية إلى ما قبل السلفية، ثم ينقلها من هناك إلى مرحلة أخرى تمكن هذا الفكر من التفاعل الحي والقوي مع الحاضر اليمني كافة بل حتى خارج اليمن. وهذا لن يخدم الزيدية بقدر ما سيخدم اليمن كافة.
ولكن لا أتصور أنه مستعدون للقيام بهذا اليوم. مراجعة الخطاب الفكري تتطلب ممارسة نقدية عالية. في حين أن ظروفهم في المقابل تتطلب منهم ممارسة نقوية عالية. فعندما تجد اليوم ملازم السيد حسين الحوثي رحمه الله تجد فيها مضمونا فكرياً نقوياً وأحاديا ونصوصياً ودغمائيا بشكل مفرط. بعيد تماماً عن البراغماتية والتعددية والعقلانية والمرونة التي عرفت بها الزيدية ماضياً. الفكر الزيدي في الماضي أفرز نقيضه مثل الشوكاني. وهذا منتهى القوة في أي فكر. بعض الأفكار تتعايش مع نقيضها. الزيدية أنتجت نقيضها واستوعبته. هذه الروعة نحتاجها اليوم.
ولكن ما أتوقعه، وأمل آن أخيب، هو أن يكونوا كحزب الله في لبنان. فالمنظومة الفكرية الشيعية لا تتلاءم مع الممارسة البراغماتية لحزب الله إطلاقاً. إنك تحتاج إلى كثير من الالتواء والأحكام الاستثنائية من أجل خلق معادلة ملائمة للفصل بين الفكر والممارسة السياسية. وقد نجح حزب الله في ذلك إلى حد ما. وهذا ما أخشى أن يحصل مع الحوثيين. أخشاه لسببين. الأول لن يفيد اليمن أن يكون لدينا حزب يعيش هذه الثنائية الحادة. والثاني أنه سيفوت على اليمن وليس على الزيدية فرصة فكرية تاريخية.
- هناك من يرى انكم كلكم على بعضكم ( حوثيين ، ال حميد الدين ، هاشميين ) عناصر متعددة لمشروع واحد والمسألة ليست اكثر من تبادل ادوار في الداخل والخارج ماذا تقول ؟
فوبيا الهاشمي تحتاج إلى معالجة نفسية.
- بالانتقال الى التطورات الحاصلة في اليمن، هل ما يجري في هذا البلد ثورة أم صراع على السلطة؟
الوضع في اليمن مركب ومعقد بشدة بسبب تعدد اللاعبين، وتقاطع الولاءات، وتشابك المصالح، وطبيعة الدولة التي هي في الواقع لا دولة. فلا يمكن وصفه بأي ثنائية. يعني لا يصلح أن نقول هل هو هذا أم ذاك؟ هي انتفاضة على الحكم القائم، وهي أيضاً صراع على الحكم. بل هي أمور أخرى. ولكن إذا كنت سأذكر الإطار الذي يبرز العامل الأكثر فاعلية في توجيه مسار الأحداث فسأقول: ما يجري في اليمن صراع بين نخبة حاكمة على خلفية تظاهرات شعبية. والنخبة منقسمة إلى قسمين: الأول النظام بقيادة رئيس الجمهورية على صالح والثاني اللقاء المشترك الذي هو عبارة عن تحالف هش لأعداء الأمس توحدوا على عداوة الرئيس والذي يشكل عموده الفقري كل من علي محسن الأحمر وحميد الأحمر. والصراع بين هذه النخبة قديم، ولكن تصعَّد في السنوات الأخيرة. ومع بداية الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر بدأ بعض الشباب يقوم بالأمر نفسه في اليمن. فاستغلت النخب الحاكمة هذا الوضع وركبت الموجهة لتواجه الرئيس.
- هل ترى ثمة أوجها للشبه بين الرئيس صالح والرئيس المصري حسني مبارك وبالتالي بين المشهدين المصري واليمني ؟
في المرحلة الحالية الأهم ليس تشابه أو اختلاف الشخصيات بل تشابه أو اختلاف المؤسسات والهياكل التي يعملان فيها.
اليمن دولة ضعيفة في مؤسساتها، ودور الشخص لا زال مركزياً في حين أن مصر تملك مؤسسات قوية. هذا يعني أن خروج صالح المفاجئ سيترك فراغ سلطة في اليمن لأنها لا تملك مؤسسات سياسية وحكومية فاعلة ومستقرة بحيث يمكنها العمل في غياب مفاجئ للرئيس.
والأهم هو أن الرئيس وكما قلت في إضاءات وقلته في أكثر من مكان يملك أوراقاً حقيقية يحكم بها بخلاف ما كان يملكه حسني مبارك. ولولا ذلك لما استمر صالح في الحكم بالرغم من كل التحديات، ولما استمر حكمه بعد محاولة اغتياله. أوراقه خليط من قوى عسكرية يملكها وتحالفات مع أطراف تراه ممثلاً مناسباً لمصالحها. ولكن أيضاً هو يستمد قوته من خوف لدى الكثير إزاء خصومه. فهناك من يخشى صعود علي محسن. هناك من يخشى صعود آل الأحمر. هناك من يخشى القاعدة والإسلاميين. هذه المخاوف يعرف الرئيس كيف يوظفها لصالحه.
- هل ترى امكانية عودة صالح رئيسا ؟
مستقبل اليمن ليس معلقا على وضع صالح. اللعبة لا زالت ذاتها. واللاعبون هم أنفسهم. ولكن توزيع جديد وإعادة ترتيب للكروت. المؤكد هو أن السعودية وأمريكا لا يريدون أي يعطوا أي إيحاء بأن هناك فراغ سلطة في اليمن. وكافة التصريحات التي في هذا السياق يمكن أخذها على أنها رسائل إعلامية لتعزز حضوره رئيسا على المستوى النفسي على الأقل. الآن بدأت تخرج تصريحات ذات مضمون مختلف. ولا ننسى أن المصالح الأمريكية والسعودية مرتبطة بأشخاص وليس بمؤسسات. أشخاص ذات مواقع مع هذا الطرف أو ذلك. ولا يمكن لأي من الدولتين قبول أي صيغة لا تضمن بقاء هؤلاء الأشخاص في مواقعهم، وتمنحهم فرصة للتخلي التدريجي عن ما يملكونه لصالح من يخلفهم. طبعاً مثل هذه المعادلة (رغبة في التغيير + تغيير تدريجي + تغيير لصالح طرف آخر) تخلق أسباب فشلها. فلا ينسحب أحد يشعر أن المطالب بانسحابه بحاجة إليه ولو مؤقتة. ولا ينسحب مثل هذا لأجل طرف آخر.
- هناك من يرى في المبادرة الخليجية انها ليست سوى انعكاس للرؤية الامريكية لمستقبل اليمن هل توافق على ذلك ؟
القرار السعودي بخصوص اليمن مستقل إلى حد كبير عن القرار الأمريكي. يجب أن ننتبه إلى أنه بالرغم من طبيعة العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين السعودية وبين الولايات المتحدة إلا أنه على المستوى الإقليمي فإن السعودية لا تتوافق دائماً مع القرار الأمريكي. لأن المصالح المباشرة السعودية تتعارض أحيانا مع المصالح المباشرة الأمريكية. الطرفان يهمهم أمنهم القومي. ولا يوجد دولة تبالي بما سيحصل في اليمن إذا لم يتهدد أمنها القومي. هذا حال الدول كافة. النوايا الفردية قد تكون حسنة. ولكن الدول ليست أفراد. ولا تفكر كالأفراد. بالنسبة لأي دولة أمنها القومي يأتي أولا وثانيا وثالثا. والسعودية معروفة بمواقف متعددة خالفت فيها الولايات المتحدة. خصوصاً بعد فشل الأخيرة في سياساتها الإقليمية، وهو فشل يأتي على حساب مصالح السعودية. والمبادرة الخليجية هي في الواقع مبادرة سعودية، وتسعى لضمان انتقال سلس للسلطة بحيث لا يؤدي فراغ السلطة إلى أزمات أكبر.
- قلت في برنامج اضاءات ان الرئيس ليس عنده عقدة خاصة من الهاشميين والزيدية ولكن في أي خانة تضع حروب صعدة الستة ومصادرة المساجد واغلاق المدارس وسجن العلماء وغيرها ؟
أضع تلك في خانة الصراع السياسي المحض، مضافا إليها فوضى وتلقائية في اتخاذ وتنفيذ بعض القرارات. الرئيس لم يكن يحارب الزيدية فكراً في صعدة، وإنما يحارب شباب هم من الزيدية ورفعوا الزيدية شعاراً لهم، أو بعبارة أدق اعتبروا أنهم أصحاب مشروع فكري. فمن الطبيعي والأمر هكذا أن يتم الخلط بين الأشخاص وبين الأفكار. ليس لأن هناك استهداف للزيدية بل لأن هناك حرب مع الزيدية. وتأطير بعض الشباب للصراع على أنه ضد الزيدية كان في غير محله وضر الزيدية أكثر مما نفعها. ولكن استنفع به أشخاص استفادوا من وضع أنفسهم موضع الضحية. والأمر كذلك عن الهاشميين. بل الذي أنقذ حياة الرئيس كان هاشمياً. وأكثر ما أستغرب له عندما أسمع هذا الكلام من زيدي أو هاشمي نشيط. فأسأله لماذا لم يحصل لك شيء؟ الرئيس براغماتي انتهازي. ليس له لون ولا مبدأ. همه الأول والأخير هو البقاء. وهذا بقدر ما هو سيء، إلا أنه أيضاً يفيد.
ولا يعني هذا التقليل من جريمة ما ارتكبه. لقد أشرف وأمر ووافق على سفك دماء كثيرة. ولا بد من أن يتحمل مسؤوليتها. ولكن هذا أمر وأن أقول هو لمعادة الزيدية والهاشميين أمر آخر.
ألا ترى أن أولاد الشيخ الاحمر أكثر براجماتية مما ذكرتووها قد أصبحوا على تحالف مع الحوثين والهاشميين في إطار الثورة السلمية,وكانت مواقف الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر حازمة في حماية الهاشمين في حاشد؟
أولاد الشيخ الآن يتحالفون مع من يمكنهم من موقع حاجة وضعف الرئيس براجماتي بطبيعته,وفي أوج قوته,وهذا فرق مهم ,ولو كانوا, وخصوصاً حميد بمرونة وبراغماتية الرئيس, لتحقق لهم الكثير, مع أن حميد حاول ذالك مع المعارضة,ومن خلال اللقاء المشترك,ولكن حتى هو غير قادر على تجاوز شعوره بالاستحقاق الذاتي,وضيقه من وجود أحمد علي صالح في السلطة.
أما الشيخ عبد الله فهو مختلف تماماً,هو رجل موقف ومبدأ,وكان حكيماً في علاقاته,مع غيره,وداهية في عداواته ,سفك دماء بريئة,وأنتهك حقوقاً ودافع عن المجرمين وعزز حكم القبيلة, وساهم في تفتيت الدولة,ولكنه عمل كل ذالك بطريقة ذكية وبصوت خافت,كان مدركاً حكم قدراته,وبالتالي يعرف متى يقدم ومتى يحجم,بخلاف أبنائه,ولو خطأ أبناؤه خطاه, وخصوصاً حميد,فسيحققون الكثير لأنفسهم,وربما,إذا صدقوا في تحالفاتهم,وتجاوزوا عقدهم,فسيتحقق خير كثير لليمن.
- برأيك الى أين تتجه اليمن بعد حادث الجمعة قبل الماضية واصابة الرئيس ؟
الوضع غير قابل للتنبؤ بدقة. كل القوى منهكة اليوم. كلها تراجع حساباتها. وكلها أدركت أنه لن يمكن لأحدها أن تلغي الأخرى. الطبيعي أن يتجه الوضع نحو مصالحة يتم من خلالها إعادة توزيع المواقع بين القوى الثلاثة الكبرى: آل الرئيس، آل الأحمر، علي محسن. ثم بعد ذلك وضع معادلة سياسية وطنية تضم القوى والأطراف الرئيسية: الجنوبيون، المنطقة الوسطى، وصعدة. وايضاً لا بد من أن تستوعب المعادلة الجديدة الأطراف المحايدة في الميادين من الشباب.
طبعاً اليمن في سباق مع الزمن. لأن التوازن الذي حافظ على الاستقرار النسبي إلى الآن قد ينهار.
هل ستكرر النموذج الليبي في اليمن؟
الوضع في اليمن مثل تسخين الماء. الحرارة ترتفع بغير أن ترى شيئا سوى حركة خفيفة، ثم فجأة وفي لحظة تتغير الحرارة من 99 إلى 100، ويبدأ الماء بالغليان المفاجئ ما يحصل في اليمن مشابه. الوضع بدأ يصل إلى مرحلة الغليان، ويمكن أن ينفرط في أي لحظة. طبعا لا نغفل كون كل طرف يحاول أن يوجج الوضع في بعض المواقع من باب الضغط على الطرف الثاني.
اما النمو ذج الليبي فغير ممكن، لأن الأطراف في ليبيا متميزة عن بعضها البعض. لو انفرط الوضع في اليمن، فأن المتوقع هو وجود عدة جبهات، كل جبهة مستقلة عن الثانية. لن يبقى الأمر على ما هو عليه اليوم. لن يتماسك تحالف المشترك. تحالف الرئيس أكثر تماسكاً، ولكنه أيضا غير مضمون الاستمرار. سنجد أننا امام عدة جبهات وتكتلات. ربما النموذج الصومالي اقرب.
ما مدى امكانية انفصال الجنوب عن الشمال؟
الانفصال كخطوة مباشرة غير ممكن إلا إذا وجدت جبهة مركزية موحدة لديها دعم دولي او اقليمي، والأمران غير متحقيين بدرجة كافية اليوم. ربما في الماضي كان هذا ممكن، ولكن اليوم صار خيار الانفصال ضارا على كل الاطراف المعنية الاساسية. طبعا لو حصل انفلات امني فعندها يمكن ان يتصور إلى انفصال ولكن اذا حصل الانفلات الامني لاقدر الله فان الانفصال سيكون اقل هموم لليمنيين.
كيف تقيم اداء المعارضة اليمنية في قيادة ما يسمى الثورة السلمية؟
اولا لابد من ان اقول انني لست في موقع تقييم المعارضة في الشارع. انا لم اكن هناك، لم اعلن ما علنوه لم اضحي بالتضحيات التي قدموها فأين كان التحليل السياسي لما جرى فلابد من الاقرار بانه لولا هؤلاء الشباب لما تجرأت القوى الكبرى للرئيس برفع سقف المواجهة إلى ذلك الحد. ثم لا يوجد معارضة واحدة، بل معارضات، ولا قياده بل قيادات، واداؤها العام بشكل عام مبهر. ربما خطابهم فيه مثالية مبالغ فيه، ويفتقر إلى الواقعية السياسية ولا اتحدث هنا عن الخطاب الاعلامي، فذلك طبيعي ان يكون مثالياً، لأن غرضه التحفيز، وانما اتحدث عن بعض الشخصيات المفكرة والناشطة، والتي تتحدث في بعض مجالسها المغلقة بالغة الاعلامية المثالية ذاتها. يتم الحديث عن التغيير بعقلية تطوي المراحل الممكنة انسانياً والممكنة اجتماعياً ولوجستياً. وهناك تجاهل الحقائق بنيوية وترسبات تاريخية ويتم التعامل معها وكأن تجربة عمرها أشهر يمكن محوها.
في كل الاحوال فالمهم الان هو ما سيكون بعد انتهاء هذه المرحلة والتي ستنتهي ما يجري في ساحة التغيير من التحالفات والتشابكات والتجاذبات، لن يستمر بعد الخروج من هذه الساحة. بل اغلب تلك العلاقات غير مستدامة على المستوى السياسي. لأنها تكونت بطريقة غير قابلة للإستمرار خارج الساحة من كل عشرة تحالفات ربما لم يصمد خارج الساحة إلا تسعة أو حتى أقل. وهذا ليس سيئا ً على الاطلاق، لأن العلاقة التي ستستمر وتبقى ما كان لها أن تنشأ لولا هذا التفاعل في الساحة. وتلك التي ستبقى سيكون لديها مقومات وجدانية من العمق,بحيث يمكن أن تحقق المعجزات.ولكن بشرط أن تتنظم,وأن تحدد آهدافها بدقة وواقعية,وليس بشمولية ومثالية,وهناك أفكار كثيرة مطروحة من بعضهم,وأفكار مقدمة لهم من جهات متنوعة.فلننظر ما سيأتي.
- من خلال اطلاعي على بعض أصداء الحوار الذي أجرته معك قناة العربية,وجدت بعض المثقفين لاداعي لذكر أسمائهم,يختلفون معك في قضيتين أساسيتين:الأولى أنك عزوت المظهر السلمي للثورة في اليمن إلى سبب وحيد ,وهو أن المسيطر على الساحات تنظيمياً هو الإصلاح,وبالتالي فأنصاره ملتزمون بقرار تنظيمي لا أكثر,مفهوم كلامك أن الشارع اليمني فوضوي ومتخلف. ألا يعد ذلك تنقيصاً في مدنية وحضارية اليمنين؟
أولاً المسألة لا علاقة لها بحضارة ومدنية اليمنيين,عندما تتحدث عن سلوك الحشود والمظاهرات,فأنك تتحدث عن حالة انسانية لا علاقة لها بقومية أو حضارة أو أي شئ آخر هذا الخطاب العاطفي المثالي الذي تذكر لي آياه يغيب التحليل السياسي الاجتماعي للظواهر التي أمامنا اليوم. الميادين فيها تنظيمات متعددة تضبط إيقاع الشباب هناك,وهذا لاشك فيه,ومن يشك في هذا ينطلق من مثالية خيالية لا توجد في عالم البشر.بكل بساطة,الناس لا تتحرك بشكل منظم عفوياً,هذا لا يحصل في أي مكان في العالم,والتنظيم لا يحتاج إلى أن يطال كل فرد من مئات الآلاف الموجودة,يكفي تنظيم حدود الحركة للحشود,وهي ستجد نفسها تتحرك معه.ما يمكن مناقشته والجدل حوله,هو هوية الجهات التي تنظم.هل هم حزب الإصلاح؟أم هم غيرهم؟لا يوجد إحصائيات دقيقة لدى أحد من المحللين,وكلنا نعتمد على مؤشرات,حتى من في الساحة يصعب عليه غير الخروج بانطباعات وفرضيات,ولكن المؤشرات ترجح تنظيم الإصلاح كعامل اساسي في ما يحصل.هذا لا يعني ولا يلغي وجود تنظيمات آخرى,ولكن أتصور أن لو انسحب تنظيم الإصلاح لتغيرت معادلة الشارع.
القضية الثانية قلت أن علي محسن يستمد قوته من قبيلة حاشد وحميد الأحمر,وهناك من يرى أن الأخير وحزب الإصلاح ما كان لهم أن يبنوا مشروعهم السياسي في اليمن لولا مظلة القوة العسكرية التي وفرتها لهم الفرقة الأولى مدرع وقائدها.
قوة أولاد الشيخ مستدامة لأنها مستندة إلى بنية اجتماعية قبلية راسخة. قوة علي محسن ظرافية لأنها مرتكزة على مؤسسة عسكرية متغيرة.وتوظيف كل من القوى هذه يخضع لعوامل ظرافية.في بعض المراحل تبرز قوة الشيخ ,وفي آخرى تكون الحاجة لقوة العسكري.وفي ثالثة خليط من الأمرين.وفي نهاية الأمر فتكامل القوى واستفادتها من بعض معقد ومركب.
هناك من لا يزال يرى أن انشقاق علي محسن الأحمر ليس سوى مسرحية هدفها احتواء الثورة,هل توافق على هذا التحليل,خاصة في ظل ما تتناقله بعض وسائل الإعلام عن تجاوزات تمارسها الفرقة ضد المعتصمين؟
- من يقرأ العداوات على أنها عداوة إلى الأخير,أو تحالف إلى الأخير قد يرى هذا,ولكن من يقرأها على أنها مواقف انتهازية سياسية قائمة على واقع شديد الحساسية وحسابات معقدة,فلن.
علي محسن يريد البقاء.وفي مرحلة ما أعتبر أن البقاء هو بالقضاء على الرئيس.ولاكن لايريد القضاء على نفوذ قبيلة سنحان أو على نفوذه.وبين هذين المطلبين سيقف متردد أحياناً محجماً أحياناً,ويظهر متناقضاً ومورتبكاً,في حين أنه منسجم مع نفسه,ولكن الواقع هو المتناقض والمرتبك.
من المفارقات في الشأن اليمني أن المشائخ والقادة العسكرين ورجال الدين المتصدرين للمشهد يطروحن أقامة الدولة المدنية,هل ترى أن القوى التقليدية صادقة وقادرة على تحقيق ذالك والالتزام بمقتضياته؟
قد لا أحكم على صدقيتها,ولكن سأشكك في مصداقية أغلبها.فهذه قوى ساهمت في تدمير اليمن,وفي بنية الفساد الموجودة,بل عاشت على الفساد,وعلى الظلم,وعلى الأقصاء,وعلى التطرف,وعلى رفض الآخر,بل على القتل أحياناً,فكيف أقبل أنهم تغيروا؟الناس لاتتغير فجأة.كيف أقبل أنهم سيخلقون وضعاً يجردهم من كل امتيازاتهم ومكاسبهم وقواهم؟من السذاجة بمكان قبول هذا الأفتراض,أو حتى التعاطي معه.
واسمح لي أن أكون عاطفياً بعض الشئ.لما يأتي أحد ويتحدث عن الرئيس بكل سوء ويتهمه بكل بلاء,ثم يقول أن الرئيس لم يف لهم...كيف أقبل منه أي شئ بعدها؟بلسانه يقول إن هذا الذي لعنته وهذا الذي هو شيطان رجيم,هذا هو بعينه كان حليفي بالأمس,وأنا كنت شريكه في كل ماعمله وفي كل ما أجرمه.ولكن الآن أنا تغيرت,وصرت خصماً له,فعليكم أن تقبلوني منكم وبينكم. كيف يتم قبول أمثال هؤلاء؟وكيف يتم تسمية تغيرهم على أنه جزء من الثورة؟ثورة على ماذا؟ثورة زعيم عصابة على كبير العصابة؟
كيف تصف الدور السعودي في التعامل مع الأزمة اليمنية؟
السعوديون في حيرة اليوم.لا يملكون استراتيجية واضحة نحو اليمن,ولامركزية حاسمة في التعامل مع هذا الملف المعقد,وفي هذا الوقت الحرج بالذات.هذا فضلاً عن انشغالهم بالقضايا الداخلية والإقليمية الآخرى.ولكن في الواقع لايمكن لأية قوى خارجية ضمان نجاح أحد من الأطراف.الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي والسعوديون ودول الخليج كلها عاجزة بقدر عجز اليمنيين أنفسهم.
أخيراً,هل تتفق مع من يقول إن الثورات العربية جزء من مؤامرة خارجية تستهدف إسقاط الانظمة وتقسيم الشعوب؟
-لا وألف لا.هذه انتفاضات شعوب مقهورة مسحوقة,أرجو أن تحقق المطلوب منها.
كلمة أخيرة...
الكلمة الأخيرة هي لمن يعمل بجد في الساحات والطرق,في مختلف المناطق اليمنية.
أياً انتهت اليه الأمور,فاليمن قد تغيرت,سواء تحققت مطالب الشباب بتفاصيلها أم لا,فقد نقلوا اليمن من حال الى حال.وبقدر أهمية المشاركة في السلطة,فأن الأهم من ذالك هو الوجود في ساحات مؤسسات المجتمع المدني,خصوصاً في النطاقات ذات الصلة ببنية الدولة الناعمة القضاء,القبيلة والدولة,تطوير أداء المؤسسات الحكومية والمدنية,وحوار وطني طويل الآمد.
نقلا عن صحيفة الشارع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.