من الواضح أن الوقت لم يعد يعنينا كثيراً، ولم يعد كالسيف كما هو معروف في الثقافة العربية.. صار شيء آخر لا يقطع وغير ذي أهمية كما تدل تصرفاتنا وسياساتنا ومواقفنا تجاه كل ما يعنينا وتجاه الحاضر والمستقبل. العمل الذي يحتاج لساعة من الزمن يستغرق أياماً، وعلى هذا الأساس يمكن القياس، ولذلك فإن العمر الواحد في هذا البلد تحديداً وفي الكثير من بلداننا العربية لا يكفي. يذهب الواحد منا إلى أية مؤسسة أو وزارة من أجل عمل لا يحتاج لأكثر من ساعة، وإذا به يهلك أسبوعاً كاملاً ذهاباً وإياباً، وفي حقيقة هذا الأمر تكمن المسئولية الضائعة وعدم احترام أوقات الناس وأعمارهم التي تمضي دون أي حساب ومن غير أي إنجاز. يدرس الطالب في الجامعة أربع سنوات ثم يحتاج لسنة أو أكثر لاستخراج الشهادة، وخلال هذه السنة لا عمل له سوى ملاحقة المواعيد المعطاة له من أجل الحصول على الشهادة. لا أظن بأن هذا الأمر يمكن أن يحدث في أي مكان من العالم الذي يحترم الوقت ويحترم أعمار الناس، ويمكن أن يحاكم الموظف الذي يعطيك موعداً ثم يخلفه من غير سبب اضطراري تقبله المحكمة. هناك أشياء يترتب عليها ضرر مادي أو معنوي وربما يتعلق بها مصير إنسان، مستقبله أو حياته، وكلها تبدأ من الوقت الذي لا نحسب له حساباً، ولا نقيم له وزناً. في المحاكم يطول وقت التقاضي لأعوام طويلة دون أن يصدر حكم يفصل بين المتنازعين، وهذا يرجع إلى عدم احترام بعض القضاة لأعمار الناس. أعرف أناساً منذ عشرات السنين وهم في المحاكم من أجل قضية واحدة.. وحين أفكر بالوقت بل بالعمر الذي أفناه هذا الطرف أو ذاك أشعر بالحزن القاتل، وأدرك حجم الجريمة الذي يرتكب بحق الناس حين تمضي أعمارهم في المحاكم دون شيء آخر. كل قضية تحتاج لأضعاف ما تحتاجه من الوقت حتى يتم الفصل فيها بغض النظر عن عدالة الفصل حينذاك، فأنا أتحدث عن الوقت هنا. المرحلة اللازمة لإنجاز مشروع نلجأ لتمديدها مرات عدة لأن الوقت ليس مهماً، وحياة الناس ليست مهماً كيف تمضي.. وحين نفكر بمعالجة قضية أو أوضاع معينة فلا حساب للوقت وللمعاناة المترتبة عن التأخير. هناك أشياء لا تقبل التأخير، وهناك أناس لا يمكن أن يصبروا ويشربون المرارة جزاء تساهل غيرهم بالوقت الذي يتسبب في إحداث خسارة أو مضرة، ولذلك تحدث المشكلات الكبرى.. وتحدث حالات القتل والجريمة أحياناً. ويلجأ البعض إلى الحلول الفردية لتفادي التأخير أو استعجالاً للنتائج لأنهم يعلمون أن الوقت عند المتحكمين به ليس مهماً طال أم استطال. الفقر والمعاناة والجوع والألم لا يمكن أن ينتظروا إلى حين يفرغ المتنازعون على السلطة والمناصب من حل خلافاتهم ويكملوا التقاسم والمحاصصة.. لا يمكن لجائع أن يقدر ظروف الحكومة وهو يسمع ويقرأ عن فساد بالمليارات، ولا يمكن لمن يرى مستقبله يتلاشى بسبب عدم احترام الجهات الحكومية لأعمار الناس التي تمضي انتظاراً على أبواب وزارة الخدمة ومكاتبها وفي غيرها من المؤسسات. لا يمكن الصبر على الألم إلى أجل غير مسمى، وعلينا أن نقرأ الأحداث من حولنا جيداً، وندرك أن ما يحدث وما قد حدث إنما هو بسبب الوقت والأشياء التي لا تقبل الانتظار وضياع العمر سدى. الوقت لم يزل كما هو ولم يزل حاداً قاطعاً وإن نسى البعض أو تناسى أو انشغل عن هذه الحقيقة، ولذلك اقرع جرس الإنذار فالوقت أكثر خطورة من السيف والبندقية. رابط المقال على الفيس بوك