كثير منا يخلط بين مفهوم الدولة الدينية ومفهوم الدولة المدنية الحديثة.. لأن ثقافتنا الموروثة والمؤدلجة بأنماط التطرف والغلو والتعصب مازالت تسير على نهج العصور الوسطى «أنا الدين والدولة».. فالقضية المحورية اليوم التي تواجه معظم التيارات والحركات والمذاهب الدينية هي إقامة الدولة الدينية في غياب الرؤى والأسس والمعايير والمستجدات والاتجاهات والتطلعات المستقبلية.. وفي ظل فقدان الدربة الإدارية وحنكة القيادة السياسية الرشيدة التي تجعل من الخصوم أصدقاء وانصاراً.. لا اعداءً واشراراً.. هنا تكمن ثقافة محاسبة النفس قبل محاسبة الآخرين.. اذا ادركنا أننا قادرون على تجاوز كل الأخطاء والقصور والسلبيات الناتجة عن إصرارنا على السبق والنجاح دون ان نقارن أو نستفيد من تجارب الآخرين.. أو نسأل: كيف ولماذا رضينا بالأمر الواقع قانعين طوعاً أم كرهاً شئنا أم أبينا بالاكتفاء أو الانكفاء على الذات تراثاً وثقافة وفكراً.. علينا ان نعي جيداً ان قوانين العصور الوسطى وما فيها من إيجابيات أو سلبيات أو محاسن أو مساوئ غير ذات جدوى في عصرنا الحالي.. ولم تعد قادرة على مواكبة متطلبات واحتياجات العصر الحديث.. فالدولة المدنية الحديثة لها مفاهيم فلسفية حياتية متجددة، لأنها تقوم على علاقات وروابط ومصالح وطنية وقومية وإنسانية عالمية.. ولم تعد أية قوة دينية في العالم تفرض على إنسان عقيدته.. فالدولة والشعوب والمجتمعات في ظل العولمة والحوسبة والاتممة أصبحت قرية كونية واحدة تحتكم لأنظمة ومبادئ واحدة.. وقرارات عالمية واحدة.. وقوانين ونظم مشتركة.. قضيتنا المحورية اليوم هي: قضية التحديث والتطوير.. تطوير الإنسان.. المجتمع.. نريد الخروج من نفق الخلافات والصراعات البينية الذاتية إلى ساحات البناء والنهوض الفكري والمعرفي والحضاري والثقافي والاجتماعي.. ولن يكون ذلك إلا بتوحيد رؤانا الفكرية والتحول إلى مجتمع المعرفة والعلم والحضارة.. علينا ان ندرك ان اجترار الماضي مهما كان ذهبياً أم فضياً ليس هو مقياس الحاضر ولا المستقبل.. لأن الحضارة أو الحداثة عملية متجددة ومتغيرة قوامها الإبداع والابتكار المادي والفكري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.. ولذلك ينبغي عدم حشر الدين في الحداثة والتطور.. لأن الإسلام أو الشريعة الإسلامية مرتبطة بنصوص ثابتة ومقدسة محفوظة لا تتغير، ولا تتبدل بمرور الأيام أو الأعوام.. مصداقاً لقوله عزوجل: (أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون).. لذا فهو في ذاته ليس عرضة للتطور أو الحداثة.. ما دامت نصوصه الأساسية والتشريعية محفوظة وثابتة.. ولكن التغيير أو التحديث أو التطوير قد يعتري الفكر الإسلامي أي فهم الناس للإسلام.. ومدى درجة الوعي والمعرفة والثقافة.. وهنا تبرز حاجة الإسلام إلى التنقية وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي لصقت به.. وعلقت به بسبب سوء الفهم والتعصب الأعمى والغلو.. وضحالة الثقافة المناوئة لفكر الإسلام كعقيدة ودين وشريعة.. لهذا وذاك علينا ان نراجع ونحاسب انفسنا قبل محاسبة الآخرين.. وهنا تكمن فلسفة التعايش بين الفكر كجهد إنساني عقلاني.. وبين الثقافة كموروث حضاري ثقافي اجتماعي غايته بناء الإنسان.. صانع الحضارات والثقافات.. والطاقات الإبداعية.. اذاً قضيتنا المحورية الأولى هي: العقل الحضاري الأخلاقي الجديد نحو بناء الدولة المدنية الحديثة.. لأنها الطريق الصحيح لنهضة شاملة مستدامة..!! وهنا مربط الفرس..!!. رابط المقال على الفيس بوك