الآن نحن إزاء مفارقة عجيبة، فالصدود عن الشرعية الجماهيرية قد تؤدّي إلى متوالية لتجدُّد هذه الشرعية كما حدث في مصر، وقد يحدث ذات الأمر في تونس واليمن وليبيا، كما أن التمسُّك بالشرعية الدستورية يقتضي القبول بهذه اللعبة إلى نهاياتها المنطقية. وفكرة القبول باللعبة الديمقراطية المترجرجة تقتضي مقدّمات وجودية وثقافية مغايرة جذرياً لواقع الحال في بلدان العرب التي لم تحقّق بعد معنى الهوية في أساس المواطنة القانونية، ولم تتمثّل ضمناً وأساساً فقه الجمهوريات المعلنة منذ عقود، فيما ظلّت نواميس التاريخ وأعراف حاكميته الموروثة قابعة في جوهر المشهد، ولكن بصورة مشوّهة، حيث أوراق السلوفان الجمهورية اللمَّاعة تغطي الحقيقة المجرّدة لحاكميات أوليغاركية عسكرية استبدادية أبعد ما تكون عن الجمهوريات المعلنة، ولو كانت بقياسات جمهورية أفلاطون الطبقية البدائية..!!. الجدل البيزنطي القائم اليوم حول الشرعية ومعناها يدل دلالة قاطعة على أننا بحاجة أولاً إلى «جمهرة الجمهوريات» لنتمثّل لعبة التعدُّد والصندوق، كما أننا وبنفس القدر بحاجة إلى مغادرة الدولة التاريخية المركزية البسيطة لنتمثَّل معنى الدولة العصرية اللا مركزية المُركَّبة التي تسمح بتناغم المصالح وتوفير البيئة المناسبة للتنمية الأفقية وإلغاء الاحتكار والاستحواذ والفساد؛ عندها يمكننا الحديث عن الشرعية النابعة من العقد الاجتماعي المسطور قانوناً، والمُجيَّر على الدستور الوضعي الذي نرتضيه جميعاً. لعبة الشرعية تتحوّل في الزمن العربي إلى لعبة خطيرة أشبه ما تكون بأرضية تتجمّع فيها المياه الآسنة وتصبح لزجة لا يقوى أحد على السير فيها. في مشهد الفوضى الموروث من سياق تاريخي مجافٍ للتوازن لا معنى للشرعية، ولا قيمة للأسماء والمسميات، ولا مكان للتمييز بين الشرعيات الثورية والجماهيرية والانقلابية والدستورية..!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك