من المعروف تاريخياً أن فترة الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية اتسمت بمواجهات ناعمة حد التفاهم بين الولاياتالمتحدة من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أُخرى، كما بين المعسكرين الواسعين في الشرق والغرب، حيث كانت لعبة الاستراتيجيات الناظمة لخلافات المعسكرين تتم في البيت الأبيض والكرملين. لكن هذا القدر من الحرب الباردة الناعمة سرعان ما تكسَّرت بانهيار الاتحاد السوفيتي، بل إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة اعتبرتها إشارة حاسمة لمركزية الدور الأمريكي في عالم ما بعد الحرب الباردة، واستناداً إلى هذا الاعتقاد شرعت الولاياتالمتحدة في إدارة حرب سافرة ضد روسيا الحائرة المنهارة خلال عهد الراحل يلتسن، وقد تم ترجمة تلك الحرب المعلنة من خلال استقطاب بلدان أوروبا الشرقية التي وجدت نفسها بعد حين في حال انكشاف مرعب، فالمنظومة الاقتصادية الخدماتية الموروثة، وقواعد المعايير التي تكرَّست طوال فترة الحكم الاشتراكي، تصدَّعت بقوة دفع انهياراتها المتتالية. غير أن روسيا لم تولِ حينها كبير عناية لما يجري في عمقها الأوروبي الشرقي، بل تعاطت مع المتغيرات بمنطق انكفائي أقرب إلى التحصن بالداخل الروسي، لكن هذا الداخل الروسي ما كان له أن ينعم بهدوء التخلِّي عن أعباء الجيران الثقيلة، وبَدتْ تلك الواجبات المُلقاة على روسيا بمثابة وراثة شرعية للاتحاد السوفيتي، ذلك أن الجمهوريات الجديدة التي خرجت من رحم الإمبراطورية السوفيتية لم يكن بوسعها الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين، بالإضافة إلى اعتمادها التقليدي على التبادل التجاري واسع النطاق مع روسيا، وقد أجادت إدارة الرئيس بوتين، على مدى 3 عهود رئاسية متتالية، من الاستفادة من الميزات النسبية الموروثة من العهد السوفيتي، كما أجادت إغلاق ملف الشيشان من خلال برنامج وطني استثنائي ارتقى بالشيشان، وتبنى فكرة الوجود الاجتماعي المزدهر، الكفيل بتغيير مشاعر الناس وقبولهم لمركز السلطة الصانعة للخيارات المادية، والنابعة من قلب الكرملين، وكذا خيارات بوتين وفريق عمله الدؤوب على ملاحقة الملفات الساخنة، وللحديث صلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك