يُعلِّق اليمنيون آمالهم على مؤتمر الحوار الوطني، معتقدين أنه يحمل الخلاص وسوف يحل كل مشاكلهم الراهنة. فكل من يسألني عن سير عمل مؤتمر الحوار يلحق سؤاله أو سؤالها بسؤال أكثر إلحاحاً: “هل سوف يحل الحوار مشاكلنا ويستتب الأمن ونخلص من الفقر؟” عند الإجابة على هذا السؤال يدور في نفسي صراع رهيب بين أن أخبرهم الحقيقة والتي لن تعجبهم أو أن أعطيهم آمالاً ليس لها مجال من الصحة، لكن سرعان ما اتذكر مثال العمارة الذي قاله لنا رئيس الجمهورية في بداية المؤتمر وأجد فيه أفضل جواب. فالحقيقة أن مؤتمر الحوار الوطني ليس له علاقة بالوضع الراهن بطريقة مباشرة وإنما هو تخطيط للمستقبل لكي يكون ذلك المستقبل ملبياً لطموح الشعب الناس ومغايراً للواقع الصعب الذي يعيشونه اليوم. فما هي قصة هذه العمارة؟ تخيلوا أن هناك عمارة بأدوار عدة، يعيش في كل دور أسرة مختلفة ولديهم مشرف على العمارة منذ فترة طويلة يعيش بعض أقربائه في العمارة ذاتها ولكن لديه بيت خاص في مكان آخر. بالرغم من أن الساكنين يدفعون إيجاراتهم وفواتيرهم إلا أن العمارة بدأت في التهالك منذ فترة حتى صارت في وضع مزرٍ. الماء يتسرب، الجرذان منتشرة، الشبابيك مكسورة والكهرباء مقطوعة...الخ. بل إن هناك مشاكل اجتماعية برزت بسبب الدمار الذي حل بالعمارة منها النزاعات بين الأسر وكذلك هروب بعض أطفال العمارة من الوضع السيء، منهم من سار إلى وضع أفضل بعد أن تبنتهم أسر غنية في عمارات أخرى ومنهم من تشرد في الشوارع وتحولوا إلى مجرمين بل ويعودون إلى عمارتهم بشكل متقطع للنهب والتخريب وترويع الساكنين. الأمن في العمارة غائب، وبالتالي تكون عرضة للسرقات وهناك تجار مخدرات يأتون إلى داخل العمارة ليبيعوا بضاعتهم لأنهم يعرفون ان مشرف العمارة لن يضايقهم بل سوف يساعدهم إذا حصل نصيبه... المشاكل لا تنتهي ووعود المشرف أصبحت جوفاء، فقرر سكان العمارة الثورة عليه واختيار مشرف آخر من بينهم. ولكن لأنهم لم يعودوا يثقوا ببعض وبينهم فتن ومشاكل طلبوا مساعدة عاقل الحارة وبعض العمارات المجاورة الأكثر استقراراً وأكثر ثراء. وهكذا قام عاقل الحارة بعمل اجتماع طارئ لكل المشرفين في الحارة بما فيها المشرف القديم والجديد لمناقشة وضع العمارة وكيفية حل مشاكلها الكثيرة. وهكذا تم عمل اتفاق لنقل المسئوليات من المشرف القديم الى الجديد بطريقة تدريجية وعمل مجلس للعمارة بقيادة المشرف الجديد فيه ممثلون من كافة الأدوار لإيجاد حل جذري لكل الصعوبات وتلبية لطموح الساكنين. عندما اجتمع مجلس العمارة مع مجلس الحارة اكتشفوا أن الوضع لا يحتمل الترقيع وأن العمارة وصلت الى مرحلة متقدمة من الخراب الأفضل أن يتم بناء جديد خاصة وأن الموارد المالية للعمارة وساكنيها لا تكفي لعمل ترميمات مؤقتة وبناء عمارة جديدة في نفس الوقت. كما وعد مجلس الحارة مساعدة سكان العمارة بناء بيتهم الجديد في موقع مجاور من ناحية مادية وتقنية. وهكذا بدأ المجلس في التخطيط وتقاسم ممثلو الأدوار المختلفة المسئوليات فمنهم من أخذ الجانب الأمني، والآخر مسألة النظافة، وهناك من تولى أمر التكنولوجيا، وآخر تولى مسألة الرفاهية وغيره العلاقة بين الساكنين وايضاً العلاقة بين الأفراد في البيت الدور الواحد. وتم عمل لقاءات مع الأسر المختلفة والسماع لآرائهم وملاحظاتهم وامنياتهم لأجل استيعابها في المخطط الجديد. كذلك تم الإستعانة بخبراء من الحارة ومن خارج الحارة. ولكن أثناء عمل المخطط للعمارة الجديدة، أحياناً كثيرة ما كانت تحدث معوقات تبطئ من العملية وأحيانا تهدد بفشلها. احياناً تكون هناك شجارات بين أعضاء المجلس نفسه بسبب تصرفات في الماضي وبسبب فتن لا تزال تحدث حتى في الوضع الجديد احياناً يكون السبب فيها مخربون من خارج المجلس واحياناً من داخل العمارة أو حتى من المجلس نفسه. أحياناً يقوم بعض سكان العمارة بعمل مظاهرات يشتكون من الوضع الحالي او من مشكلة طارئة صادفتهم ويطلبوا من المجلس أن يلتفت عن التخطيط للمستقبل إلى التعامل مع مشاكلهم اليومية. كما أن عملية التخطيط طالت وبدأ الساكنون في العمارة بالتململ والقلق خاصة وأن المشاكل في العمارة زادت وعملية الإصلاحات قلت لأن التركيز صار أكثر على التخطيط للمستقبل وليس على الحلول الآنية للعمارة. وفي نفس الوقت لا يرى الساكنون أي تغيير سواء في حياتهم أو في الموقع الذي تم شراؤه لبناء العمارة الجديدة. كذلك الكثير منهم لم يدرك ان عمارتهم لن يتم إصلاحها أصلاً وانهم سوف ينتقلون إلى عمارة اخرى جديدة لم يبدأ العمل حتى في بناء أساسها. هناك ايضاً مشكلة في التواصل مع السكان وأحياناً بين افراد المجلس وهذا ايضاً يؤخر العملية الانتقالية إلى المستقبل. أعضاء مؤتمر الحوار الوطني هم بمثابة مجلس العمارة، وبالتالي ما نقوم به في مؤتمر الحوار هو التخطيط لشكل اليمن الجديد والذي سوف يتم بناؤه في المرحلة التأسيسية القادمة والتي ستبدأ بعد الانتخابات القادمة المخطط عقدها في فبراير 2014م. وبالتالي أي تغيير حقيقي في حياة الناس سوف تبدأ ملامحه في الظهور فقط بعد مرور على الأقل 3 أو أربع سنوات من المرحلة التأسيسية واعتقد أن اليمن بعد 6 سنوات من الانتخابات سوف يكون حقاً يمناً جديداً. وبالتالي أقول لمن يريدون من مؤتمر الحوار الوطني أن يحل مشاكل اليوم أن يصبروا ويأملوا خيراً وان المستقبل إن شاء الله مزدهر ولكن لابد من العمل من اجله وتأسيسه من خلال مرحلة جديدة يتعاون فيها الجميع لتنفيذ أفضل مخطط لأجمل يمن. *نادية السقاف إعلامية وناشطة حقوقية يمنية، ترأس تحرير مؤسسة يمن تايمز للطباعة والنشر. هي عضو هيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومن قبلها لعبت ادواراً مهمة في المرحلة الانتقالية السلمية من خلال لجنتي الاتصال والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني. رابط المقال على الفيس بوك