يوم أمس الأول كان مفجعاً ذلك الخبر المتعلق بقيام شخص بإلقاء ابنتيه من الطابق الخامس بإحدى العمارات السكنية بأمانة العاصمة ثم إلقائه لنفسه في حالة انتحار ليست وحيدة كما تفيد الإحصاءات الشهرية للداخلية , ولكن ضاعف من مأساويتها إلقاؤه أولاً لطفلتيه . تفسيرات الحادثة كما وردت لاحقاً في مواقع إخبارية , تفاوتت بين رواية أكدت أن الأب عاطل عن العمل ونتيجة لذلك أصيب باضطراب نفسي إضافة إلى مشاكل أسرية وعجزه عن سداد ديون متراكمة وإيجار شقة وأن مالك العمارة أحضر رجال أمن، الأمر الذي دفعه لإلقاء طفلتيه من النافذة ثم الانتحار , وهو ما نفاه مالك العمارة عبر تصريحات صحفية أشار فيها إلى أنه المالك متواجد في عدن و أن الأب يعاني من حالة نفسية وأن الشرطة جاءت لمحاولة إنقاذ أطفاله بعد شكوى الجيران بأنه يعتزم القيام بمكروه . وأياً تكن الرواية الصحيحة فإن ما اتفقت عليه تلك التفسيرات , وما نقلته وكالة الأنباء الرسمية «سبأ» على لسان مدير مديرية معين مجاهد الخالدي فإن التحقيقات الأولية التي باشرت بها الأجهزة الأمنية قد أظهرت أن الأب الذي أقدم على هذه الجريمة يعاني من حالة مرضية نفسية منذ فترة ليست بالقصيرة وازدادت حالته سوءاً نتيجة لمشاكل أسرية، وتراكم الديون عليه دون أن يتمكن من سدادها . وفي نفس اليوم جمعني لقاء بصديق , لن أذكر محل وظيفته , لكنه كان يسترجع الأيام والأسابيع الأولى التي أعقبت تشكيل حكومة الوفاق الوطني وكيف أن عدداً ليس بقليل من أعضاء الحكومة كانوا يأتون إلى مبنى مجلس الوزراء بسيارات أكل الدهر منها وشربت المطبات والحفر ما شربت , ثم كيف انقلب الحال الآن حيث إن بعضهم أصبح يملك أسطولاً من السيارات الفارهة . لا أعتقد أن أحداً سيسألني عن علاقة حادثة الانتحار تلك وموضوع سيارات الوزراء , لأن تلك الحادثة ليست وحيدة مثلما أن الوزراء والمسئولين الجدد ساروا على نهج أسلافهم ولم يتوقفوا عند سيارة وحيدة . ظاهرة السير على خطى الأسلاف لم تتوقف عند بوابة أعضاء الحكومة ودواوين وزاراتهم ولكنها انتشرت في مختلف أو أغلب المؤسسات والهيئات والمصالح الحكومية مثل النار في الهشيم , ولو أن أحداً سأل عن موضوع انتماءات سياسية سيقول لك العارفون, رئيس المؤسسة الفلانية من قيادات ثورة التغيير ونائب رئيس المؤسسة الفلانية من الفلول والمدير العام لتلك المصلحة من المزدوجين , والمسئول الفلاني يساري , والعلاني يميني والآخر إسلامي ,, إلى آخر التصنيفات التي - للأسف الشديد - تنتهي جميعها عندما يشغل هؤلاء مناصب وسلطات فيتساوون في الفساد والإثراء غير المشروع والسير على خطى أسلافهم . و مع سير الفاسدين الجُدد على خطى أسلافهم كان لابد أن يلجأ كثير من الناس إلى ترديد مقطع غنائي للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعد أن يُحرِّفُونه فيصير «مسئولٌ أحمق الخطى , سحقت هامتي خُطاه ,, دمعتي ذاب جفنها .. أزمتي ما لها شفاء ....» . فإلى أين يمضي بنا هؤلاء الذين كانوا قُّرّاء جيدين لما يُكتب ويُنشر عن أحوال البلد وحالة الرَّعية ولكنهم الآن كما كان يُردّد أسلافهم يفرشون الصحف لموائد الطعام ,, دون أن يقفوا أمام ما سجلته الإحصاءات الأمنية العام الماضي من حالات انتحار تجاوزت ال140 حالة وربما محصِّلة هذا العام ستفوق ذلك الرقم , ناهيك عن حالات مجهولة وفي مناطق نائية لم تصلها أُذن المرصد الأمني . قد يقول أحدهم إن البلد كان يعيش حالات انتحار ونسبة فقر مرتفعة ومستوى عالياً للبطالة قبل العام 2011 ,, هذا صحيح لكن بصريح العبارة الأرقام الآن أصبحت مُخيفة ,, ثم أن الفارق هو أن الناس كان لديهم أمل في التغيير نحو الأفضل وأن الليل سينجلي ليأتي نهار مشرق , لكن عندما يخيب أملهم في المسؤولين الجُدد ويكتشفون أن بعد الليل ليلٌ حالك وأشد عُتمة يصبح الانتحار هو الخيار الوحيد لضعاف النفوس وقليلي الإيمان, أما الأكثر إيماناً فيكتفون بمرض السكري والضغط المرتفع فضلاً عن التعايش مع مرض «الفاسدون» المزمن . رابط المقال على الفيس بوك