«17 » وفي 1911م تمكّن يحيى بن محمد حميد الدين من تثبيت زعامته المذهبية في إطار التيارات المتنافسة داخل الثقافة السياسية «الزيدية» وبالتالي تمكّن من مركزة التمثيل السياسي أمام الحاكم التركي العثماني في صنعاء وبعدئذ، وكنتائج لهذه المكاسب السياسية على الأرض تمكّن من انتزاع والاستحواذ على السلطة المذهبية في المنطقة التي افترض أنها الجناح الآخر للمذهب الزيدي والمقصود هنا المنطقة القبلية الجبلية الممتدة من صعدة شمالاً وحتى قلعة سُمارة في نقيل سُمارة جنوباً؛ حيث تتمركز القوات التركية المحتلة. وظلت الإدارة الاحتلالية تفرض سيطرتها السلطوية الحياتية والدينية في المناطق الواقعة جنوب قلعة سمارة وتهامة؛ بينما اكتفت بالحضور العسكري البروتوكولي في صنعاء وما يمتُّ إليها بصلة ديمغرافية حتى أزفت أيام الرحيل من المنطقة بعد الهزيمة الساحقة للجيوش العثمانية أثناء الحرب الأوروبية الأولى. الوريث السياسي للاحتلال التركي كان جاهزاً لإعادة إنتاج الغزو والاحتلال بالوسائل القبلية المتخلّفة وبمساندة مباشرة من بقايا كتائب الجيش التركي المرابطة في صنعاء وتعز، وتمكّن يحيى بن محمد حميد الدين من استكمال غزوه واحتلاله وفرض سلطته الغاشمة على المناطق الجنوبية والغربية سنة 1933م حينما أباد المئات من المقاومين التهاميين وإعلان قيام مملكته والتي احتلت صنعاء مركز الصدارة السياسية للسيطرة والتحكم فيها وعلى المناطق المحتلة. وخلال الفترة الزمنية للسلطة احتكر الإمام يحيى الاشتغال في السياسة الداخلية والخارجية مُفسحاً مساحة ضيّقة لبعض إخوانه وأبنائه؛ أما بقية النُخبة المذهبية فاستخدمها الإمام في الوظيفة المذهبية قضائياً وإدارياً خدمة لأغراضه السلطوية، ولم يهتم الإمام يحيى ببناء دولة لأنها تعارضت مع تفكيره السياسي ومصالحه الاقتصادية، واعتبر وجودها تقويضاً لسلطته المطلقة. واقتفى الإمام أحمد أثر أبيه في رفض بناء دولة وتعزيز قدرات السلطة في ضرب المعارضة التي ظهرت في نهاية الثلاثينيات، وأدّت إلى اغتيال أبيه سنة 1948م، وحينما اختفى عهد «الأئمة الزيود» بعد 26 سبتمبر 1962م غرقت المنطقة بالحرب المعقّدة والمدعومة إقليمياً ودولياً؛ معبّرة عن الانقسام الثقافي المكين؛ وهو الأمر الذي يشغل الطبقة السياسية لمرحلة من العهد الماضي إلى استعادة السيطرة على السلطة سنة 1967م. وعلى الرغم من استخدام بعض مكوّنات الدولة كالمجلس الوطني ومجلس الشعب وغيرهما من التسميات؛ إلا أن الميل الرئيس كان لمصلحة تعزيز السلطة المطلقة والتي ازدادت حضوراً وتصلُّباً بعد الاستيلاء عليها من قبل «العسقبليين» المتحالفين مع شيوخ الإقطاع السياسي وشيوخ الإقطاع الديني المدعومين من دولة الإقليم التي عملت من أجل دعم وجود السلطة في صنعاء عوضاً عن دعم إنشاء الدولة. وفي العهد الجمهوري الممتد حتى الآن “واحد وخمسين عاماً” تعزّزت قبضة السلطة المطلقة المناهضة لفكرة إنشاء الدولة، فعلي عبدالله صالح الذي قفز إلى سُدة السلطة لم يخجل مطلقاً وهو يقول إنه يدير منطقة الشمال عبر الهاتف، أي أنه شطب من أجندته نهائياً مسألة الحديث عن الدولة من الناحية الجوهرية وكذلك كان في العهد الإمامي؛ حيث كان الإمام يحيى يدير المنطقة سياسياً وإدارياً وعسكرياً وقضائياً من تحت شجرة، ولم يحد ابنه قيد أنملة عن ديدن أبيه، فالسلطة هي الإمام، والإمام هو السلطة. وقال الكاتب الإيطالي سلفاتور أبوني الذي زار صنعاء إبان سلطة الإمام يحيى: “ فالحكومة هي الإمام، والإمام هو الحكومة، وهو يصدر قراراته في كل أمر من أمور الدولة جلّ أو هان أولاً فأولاً دون أن يترك لأحد غيره عناء التعب والتفكير....!!”. .............«يتبع».. رابط المقال على الفيس بوك