«20» إضافة إلى المناقشات البينية بين موفدين من سلطة صنعاء وبين عناصر قيادية في متن الجبهة القومية والتي وصلت إلى طريق مسدود فعلي بعد استيلاء فريق من العسقبليين المتربصين بالوحدات العسكرية والأمنية التي نضحت بها فترة الإدارة العسكرية والاستخباراتية المصرية.. هؤلاء العسقبليون الذين أقاموا جسراً تحالفياً مع الإقطاع التقليدي المرتبط بالتحالف الإقليمي الدولي المعادي للنظام الجمهوري الذي ظهر عقب انقلاب 26 /9 /1962 في صنعاء حالوا دون التوصل إلى اتفاق حسن نوايا بين قيادة الجبهة القومية وسلطة صنعاء التي نفذت انقلاباً عسكرياً، بالتواطؤ مع النظام المصري، في 5 نوفمبر 1967م. وبذلك الانسداد ذهبت قيادة سلطة صنعاء نحو تجذير العلاقة بين اليمين التقليدي المؤلف من العسقبليين والإقطاع التقليدي والإقطاع السياسي الناشىء وبين اليمين التقليدي في الرياض وذهبت قيادة الجبهة القومية قدماً والشروع في بناء دولة جمهورية اليمن الجنوبي سابقاً كدولة ممثّلة لليسار في اليمن والإقليم كله. وبسريان إعلان 30 نوفمبر 1967م عملياً في كافة المناطق المحررة وفي عدن التي رحلت عنها الإدارة البريطانية، انهزمت الأنظمة السياسية السلاطينية والمشيخية والإماراتيةواختفت من الخارطة السياسية الجنوبية بما في ذلك “اتحاد الجنوب العربي” الذي ظهرت قرونه سنة 1959م تحت عنوان “ الإمارات المتحدة” والذي ضُمت إليه عدن المستعمرة في يناير 1963م، وبذلك سقطت “حكومة الاتحاد الفيدرالي” في 29 نوفمبر 1967م، واختفت حكومة عدن ومجلسها التشريعي، وملأت السلطة التنفيذية بجناحيها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والسلطة التشريعية المحصورة بالقيادة العامة للجبهة القومية الفراغ السياسي الذي تركته أنظمة سياسية ل 23 سلطنة وإمارة ومشيخة وساعد على عملية ملء الفراغ السياسي حاجة ووعي السكان لنظام سياسي جديد حتى ولو كان مركزياً!! هذه الحاجة والوعي شكّلا بحق العامل الموضوعي الناضج الذي منح مشروع بناء الدولة جواز مرور آمناً مكّن قيادة الجبهة القومية من إدارة الدفة الانتقالية بصورة ناجحة، ويعود الفضل في نضوج هذا العامل إلى الثورة التحررية وفكرها السياسي والذي امتد إلى كافة المجتمعات المحلية إن لم نقل بأن ذلك يعود إلى اندماج السكان بكل الفوارق بينهم في مكونات الحركة التحررية كجبهة التحريرالتي أُقصيت من المشاركة السياسية والجبهة القومية التي استحوذت على السلطة وبقية التنظيمات السياسية الناشطة على الأرض. وبتوافر الشرط الموضوعي في الميدان تزامن معه فعل الشرط الذاتي المتركّز في القيادة الحيوية المؤثرة في مجمل عناصر العامل الموضوعي الحامل الرئيس لمخرجات الثورة التحررية والتي هيأت الملعب بكل تبايناته وتناقضاته لظهور مشروع الدولة الجديد والمسنود من تراكم ثقافي تاريخي نزع الى الاستقلال وعدم الغرق في وحل السلطة العصبوية في صنعاء. إن التراكم الثقافي في الجنوب ليس وليد الاحتلال البريطاني لشبه جزيرة عدن وفرض الحماية على بقية الوحدات الجغرافية المترامية على أرض صحراوية بل كان نتاجاً للهمجية والوحشية التي برزت في حروب الأئمة الزيود ضد سكان الجنوب منذ عهد الإمام المتوكل إسماعيل الرهيب الذي ارتكب مجازر بشعة ضد سكان الجنوب مستغلاً رحيل عسكر الاحتلال التركي الأول .. ولتلك الثقافة يعود الفضل في رفض المشاريع التي حُملت على أسنة الرماح تارة وعلى راحة الرحّالة الأجانب من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. والجدير بالإشارة هو إن هذه الثقافة إضافة إلى مسار النظام الجمهوري المنحرف في 5 نوفمبر 1967م شكّلا بحق الأرضية التي نهضت عليها مقاومة الانزلاق إلى وحل العاطفة السيا سية التي حاولت استغلالها سلطة صنعاء...... «يتبع».. رابط المقال على الفيس بوك