ثقافة الحوار «4» بتحقيق الوحدة اليمنية؛ الحلم الكبير لليمنيين؛ تحقّقت كثير من الأمور أهمها جلوس القوى المتنافرة في مجلس واحد «فالناس عدوة ما تجهل ووحوش حتى يتعارفوا» فتحت قنوات للاتصال الاجتماعي قبل السياسي؛ الأمر الذي زالت معها الكثير من الغيوم، وبدأت الحاجة ملحّة للحوار بين الأحزاب والقوى على أساس المشترك الوطني ومصلحة اليمن، وكانت خلاصة التجربة المريرة لدى القادة الذين تعاملوا مع السلطة بحذر شديد وبدأوا بقرار التواصل والحوار الشخصي والاجتماعي بعيداً عن السلطة التي كانت تعتبر نفسها في الوسطية وبقاء التناحر عامل حياة بالنسبة إليها. لقد جاء «اللقاء المشترك» بعد 1994م كتعبير واستجابة للحاجة الوطنية ونتيجة لحالة التواصل التي أتاحتها الوحدة اليمنية في مايو 1990م للبدء في تأسيس قوة المجتمع التي يستحيل حضورها في وجود تناحر اجتماعي وشيطنة الآخر. لقد صعق أعداء الحوار من التقارب بين القوى اليمنية التي تقاربت بالحوار، وكان هذا التقارب من المستحيل بل من «الخطوط الحمراء» وقد عبّر المنزعجون من الحوار وتقارب قوى المجتمع عن غضبهم بجملة شهيرة: «هل أسلم الاشتراكي أم كفر الإصلاح..؟!» وهم يرون أمامهم ظاهرة فريدة صنعها الحوار والتواصل والتجربة كمنجز على المستوى الوطني، ولم يعد باستطاعة مناهضي الحوار الوقوف مكتوفي الأيدي محاولين ضرب الحوار في مقتل. وكان قتل الشهيد جار الله عمر في مؤتمر الإصلاح كفيلاً بأن يشعل حرباً أهلية لولا الوعي والنضج الذي وصل إليه قادة الأحزاب وقواعدها؛ وبقاء قنوات التواصل مفتوحة بصورة مكثفة، وبدلاً من أن ينهي اغتيال جار الله عمر اللقاء المشترك والحوار؛ عمل على تمتينه وتعميده بالدم؛ وهو ما يثبت أهمية التواصل المفتوح لإنجاح أي حوار، والحفاظ على الثقة التي تُعد قاعدة النجاح الأولى. لقد صنع هذا الحوار واللقاء بين الأطراف أول معارضة حقيقية وفاعلة في اليمن برزت لأول مرة في الانتخابات الرئاسية 2006م التي كادت أن تُسقط الحاكم بصورة ديمقراطية لولا آلية التزوير الممنهجة؛ ولكنها كانت المسمار المميت في نعش الحكم المؤبد، وتواصلت كحركة سياسية، وأنتجت رؤى مشتركة وفعاليات شعبية واحتجاجات موحّدة وصلت إلى بث روح القوّة والتمرد في الشعب وأنتجت بتراكماتها الثورة الشعبية الشبابية في 11 فبراير التي تفجّرت من تعز، ومن تعز انتقلت إلى كل البلاد. وما الثورة إلا ثمرة من ثمرة الحوار الشعبي المباشر والعميق، واتفاق شعبي غير مكتوب على مواجهة الحاكم وإسقاط الاستبداد والالتفاف حول شعار واحد يلتف حوله الجميع. إن الثورة تبدأ بحوار، ونحتاج إلى ثورة تواصل حتى نحوّل هذه الثورة إلى ثقافة من أجل قيم الحرية والتضامن والعيش المشترك والوقوف مع المظلوم ضد الظلم، كما أن المصالحة الوطنية وبناء الدولة وإنهاء المعيقات الشائكة تبدأ بحوار جاد يؤمن أن الوطن للجميع دون استثناء أو إقصاء أو انتقاص. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك