افتراضياً انتهى الموعد المحدد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الأسبوع المنصرم، وحسب تصريحات منسوبة لرئاسة المؤتمر وأمانته العامة ،ان الأيام المضافة الى الستة والعشرين أسبوعاً التي تختزل عمر المؤتمر حسب قرار تنظيمه إنما لإنجاز الترتيبات النهائية للوثيقة العامة التي ستقدّم للجلسة الختامية باسم الفرق التسع التي تشكّل قوام المؤتمر كمخرجات نهائية متفق عليها من اعضاء المؤتمر.. الوثيقة كما هو مطلوب منها أومقرّر لها تحديد شكل الدولة المقبلة ونظامها السياسي وما يرتبط بذلك من توجهات تتصل بالاقتصاد والحقوق والحريات والعدالة الانتقالية وقضايا التعليم والثقافة والصحة وغيرها من القضايا المتصلة بحياة الناس. يخشى مراقبون من ان عامل الوقت وضغوطه قد يفرض على الرئاسة (رئاسة المؤتمر) العمل على إخراج وثيقة (كلفتة) غير متوافق عليها لمجرد التسويق خارجياً للانضباطية والجدية والتزام الوقت..وهي في الأساس تتسوّق خضوعها المهين لمراكز القوى النافذة التي تعمل امكاناتها لاعتساف مخرجات المؤتمر بما يعزّز من حضورها في الحياة العامة التي تخوض في تفاصيلها منذ أكثر من خمسة عقود. يعلم اليمنيون قبل المراقبين الخارجيين إن ثمة صعوبات جمة تعترض عمل كل فرق المؤتمر تقريباً بما فيها لجنة ال (16) الذي أنيط بها حسم الخلافات العاصفة بقضايا فريق القضية الجنوبية، الذي يتركّب عمل أهم فرق المؤتمر على مخرجاتها. نعلم الملابسات التي قادت الى تشكيل هذه اللجنة بالتناصف والمترتبة اصلاً على تعليق ممثلي الحراك الجنوبي في المؤتمر عضويتهم فيه قبل أكثر من شهر، قبل ان يعودوا اليه مجدداً بعد حصولهم على ضمانات ووعود اقليمية ودولية ،بالوصول الى حوار بين الشمال والجنوب أو هكذا برّروا لعودتهم فكانت خلاصته لجنة (8+8) هذه التي تمثّل القوى السياسية والجهوية الممثلة في مؤتمر الحوارولا تمثّل ارادة الشارع الحقيقية الذي جعل ممن حُسبوا على الحراك في المؤتمر يرفعون هذا المطلب في محاولة لامتصاص الصوت الغاضب في مناطقهم والذي لا يرى فيهم إلا تمثيلاً لأنفسهم أو أطراف أخرى فرضتهم باسم الحراك، ولا يمثّلون قوى الضغط الحقيقية هذه والمتواجدة بقوة في الشارع الجنوبي والتي ترفض الحوار منذ البداية. قبل يومين اضطر رئيس الجمهورية الى إحداث تغيرات لافتة على وثيقة لجنة (8+8) تحت ضغوط من (المؤتمر الشعبي العام)، الذي سحب ممثليه منها وهدّد تالياً بمقاطعة جلسات مؤتمر الحوار الوطني تحت ذريعة ان اللجنة بتشكلها اولاً ،وبقراراتها التي ضمنتها الوثيقة تأخذ البلاد نحو الانفصال والتفكك، واتهمت قيادات مؤتمرية عليا الرئيس عبد ربه منصور هادي وعبد الكريم الإرياني (بصفتيهما نائبين اول وثاني لرئيس المؤتمر الشعبي العام) بدأبهما تمرير مشروع لجنة (8+8) (المشبوه أو المفخخ حسب تعبيرات صادرة من اللجنة العامة فيه). التغييرات التي تمت على الوثيقة بمعرفة عبد الكريم الإرياني ويحيى الراعي (الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام رئيس مجلس النواب ) ومشاركتهما في اقتراح التعديلات حسب ما قيل أكدت على ان الدولة القادمة ستكون اتحادية تتألف من أربعة اقاليم وأكثر وليس اقليمين شمالي وجنوبي قد يمهدان مستقبلاً للانفصال وأكدت أيضاً على حق السلطة المركزية في استكشاف وادارة المقدرات العامة من الثروات النفطية والمعدنية ،وهي (أي السلطة المركزية) من سيتولّى توزيعها على الاقاليم كلٌّ حسب احتياجه!!. التعديلات أيضاً ألغت مقترحاً بتشكيل لجنة من عدد متساوٍ من الشخصيات مناصفة بين الشمال والجنوب لتحديد عدد الاقاليم وتوزيعها بمعايير سكانية وجغرافية واقتصادية وثقافية ، واستبدلت لفظ الشعب الجنوبي أينما ظهرت في الوثيقة بالشعب اليمني ،واستبدلت كل ما يشير الى ممارسات الظلم والاعتساف من قبل السلطة، بألفاظ أكثر نعومة، وألغت فقرة تحث الأمين العام للأمم المتحدة دعم استمرار مهام مستشاره وممثله الخاص ومكتبه في صنعاء، للمشورة ودعم العملية السياسية مستقبلاً. هذه التعديلات وغيرها من التي تمت على الوثيقة حملها (الإرياني والراعي) كما قيل الى اجتماعات متواصلة عقدتها هيئات المؤتمر الشعبي نهاية الأسبوع الماضي ،علّها تحظى بقبول وموافقة (جناح الصقور الذي يتصدّره الرئيس السابق علي عبد الله صالح) ليستطيع الرئيس هادي أخذ زمام المبادرة ،والتأثير في قرارات اللجنة العامة لصالح الوثيقة المطلوب التوقيع عليها من كامل قوام لجنة (8+8)،بما فيهم ممثلو المؤتمر الشعبي العام، وممثلو الحراك ، الذين نفوا توقيعهم اصلاً على الوثيقة قبل تعديلها. مساء الخميس ظهرت بوادر انفراج للأزمة بين الرئيس هادي وجناح الصقور بعد تسريب أنباء عن موافقة اللجنة العامة على التعديلات لتمر الوثيقة بسلام من مطب الصقور لتدخل مطبات جديدة في رحلة عودتها الى لجنة (التناصف) لإقرارها والتوقيع عليها بشكل نهائي، اذ ليس من المؤكد ان يوافق عليها حراكيو الحوار في فريق القضية الجنوبية. حجم الضغوط التي تُمارس على القيادة ، وتعدّد مصادرها وثقافة الحكم التي تلبّسته على مدى عقدين ،تلعب دوراً تأثيرياً قوياً في القرارات المتخذة في الشأن العام ،ومنها قرار تشكيل لجنة(8+8)،التي افرزتها الرغبة في الخروج من الورطة التي دفعت الجميع الى حفرتها العميقة، وليس الحاجة الوطنية إليها، فالذي اتضح هومحاولة هروب ممثلي الحراك في الحوار من ورطتهم الى الامام برفع شعار التفاوض الندّي الشمالي والجنوبي لامتصاص غضب الشارع في المحافظات الجنوبية ليوهموا العامة أن لجنة التناصف هي لجنة للتفاوض قبل أن يقع الجميع في حُفرة التأثير القوي لأحد لاعبي مراكز القوى في البلاد والمكوّن الأصيل في قوى اجتياح وفيد صيف 1994الذي يتخذ من المؤتمر الشعبي واجهة لعمله التقويضي ،والذي اُعيدت إليه وثيقة التناصف ليعبث بها كما أراد ليس حباً في الوحدة التي دمر أساسها الأخلاقي ،وقيمتها المقدسة على مدى عقدين، وإنما لتحقيق أكبر مكسب على الأرض بذات الطرق الابتزازية ،المعروفة. رابط المقال على الفيس بوك