النبش في الأنماط الفكرية السائدة لدى مجتمع من المجتمعات , والتي تحكم طريقة تفكيره وتعامله مع الحياة وتفاعله مع الواقع والتي من خلالها يصدر الأحكام ويواجه المشكلات , إن البحث في هذه الأنماط وإلقاء الضوء عليها ليس كافٍ في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتجدّد فيه المواقف التي تتطلّب منا وقفةً حقيقية لإعادة النظر في طرائق تفكيرنا وإصلاح اعوجاجها لنتمكن من اللّحاق بالركب ومواجهة ما يعطّل مسيرتنا ويعرقل عجلة مرورنا نحو المستقبل , لذلك فقد آثرت في هذه الأسطر الإجتهاد في كتابة بعض الحلول التي تمكّننا من الخلاص من تلك الأنماط الفكرية المنحرفة أو على الأقل محاولة تجنّبها والتعامل مع من يفكر بها بصورة تجعله يقترب من الفكر السليم. أولاً : التركيز على الفكرة ذاتها بغضّ النظر عن قائلها وعما يرمي إليه وعن البيئة التي نشأ فيها وعن الحزب الذي ينتمي إليه ,فالتركيز على الفكرة وحدها كفيل بأن ننظر إليها بكل حيادية وموضوعية ..ومن ثم محاكمتها منطقيا من ناحية الصح والخطأ وواقعيا من حيث حضورها الزماني والمكاني ووجودها من عدمه ونفعها من ضرها ودينيا من حيث عرضها على مقاصد الشريعة ومبادئها العامة وليس على مذهب معين. ثانياً: عدم التعصّب لأفكارك فإذا كنت تتمسّك بفكرةٍ معينة وأنت مقتنع تماماً بصحتها فهذا جميل , ولكن أن تتحول هذه الفكرة إلى صنم مقدّس تمتنع عن نقده ومحاكمته وتدافع عنه بكل قوة وكأن تلك الفكرة لا يوجد ولن يوجد ما هو أفضل منها أو بديل عنها فهذا خطأ فادح , لأنك بذلك ستخسر سماع الأصوات الأخرى وستتقوقع على هذه الفكرة وتنطوي عليها حتى تندثر وتموت في الواقع وأنت ما زلت متعصباً لها فهذا ما سيعيق تجدد أفكارك وتغيرها وسيوقعك في انحرافات فكرية لا تحتمل عواقبها. ثالثاً: لا تقل (لا) لأي فكرة تعرض عليك , بل قل (لِمَ لا) أي لابد أن تترك في عقلك مساحة مرنة لتقبِّل الأفكار الآخرى ووضعها تحت الاختبار حتى يثبت لديك خطأها بالدليل والبرهان وفق المعايير التي سبق وتحدثنا عنها في الفقرة الأولى , حينها يمكنك الردّ على الفكرة ذاتها وليس على صاحبها تردّ عليها بمعنى أن تحلّلها وتفنِّد محاورها وتكشف عن الخطأ الذي وجدته فيها سواء دينياً أو واقعياً أو منطقياً. رابعاً: الاعتراف بالخطأ الفكري , متى ما رأيت أن فكرةً ما تمسّكت بها يوماً ما واكتشفت عدم صلاحيتها , فسارع إلى التراجع عنها أو إعادة قراءتها بصورةٍ جديدة إذا كانت تحتمل ذلك , والبحث الجاد عن فكرةٍ أخرى أكثر صلاحية من الأولى , فالتغيير هو سنّة الحياة ومن لا يتغير بإرادته يغيِّره الزمن ويستبدله بآخرين. خامساً: مرّن عقلك ,واظبْ على التفكير واستمر عليه وتأكّد أن كل شيءٍ قابل للمساءلة والتأمّل وليس كل ما نتمسّك به من أفكارٍ وما نمارسه من سلوك هو صحيح مئة بالمئة وهو صحيحٌ دائماً , فكل فكرةٍ فيها جوانب إيجابية وأخرى سلبية, وما كان اليوم صحيحاً غداً سيكون خاطئاً , وعندما يصبح التفكير عادتنا اليومية فسنغير أفكارنا وأفعالنا وفق ما نراه صحيحاً في حينه ومكانه , وإن لم نغيرها فيمكننا على الأقل تلافي سلبياتها. أرجو أن أكون قد وُفِّقت في عرض خماسية التغيير الفكري كما أراها والتي ستساعدنا بعون الله في تصحيح كثيرٍ من انحرافاتنا الفكرية. [email protected]