المقصد السابع من مقاصد تصرّفات الرسول صلى الله عليه وسلم (التيسير):.. قاعدة التيسير ورفع الحرج في التصرف النبوي تقوم على ثمانية أدلة من القرآن ومثلها من السنة في حين أن التشديد في الفتوى لا دليل عليه.. وهنا أكاد أجزم بأن قصة ابن أم مكتوم – الكفيف- الذي لا يجد قائدا ًوالطريق من بيته إلى المسجد النبوي بعيدة وفيها سباع بل هناك وادي – سائلة – يحول بين هذا الصحابي الكفيف وحضوره صلاة الجماعة، الأمر الذي جعله يطلب الرخصة من الرسول بأن يصلّي في البيت .. فرفض الرسول كما نصّت الرواية. أقول: مهما صح سند الرواية فإنها تتصادم مع مبدأ التيسير في الشريعة ناهيك أنها مخالفة للنص – ليس على الأعمى حرجٌ - كما أن صلاة الجماعة ليست فريضة وأقوى قول إنها سنة مؤكدة. إن فقه التشدّد حال دون كثير من الحراك الفكري والثقافي والاجتماعي...الخ بل أُهدرت دماء وضاعت حقوق ، وصودرت حريات ، بسبب اجتهاد فقهي متشدد لا دليل عليه ، بل خولفت أحكام شرعية واضحة جراء التشدد . وهل صدور القانون المصري في (2002م) القاضي بإعطاء المرأة حق الطلاق كالرجل وفي الوقت أنها تأخذ المال..والسبب هو أن مشيخة الأزهر ووزارة الشؤون القانونية ذهبت مع الأعراف المعوجة المانعة للخلع فامتلأت المحاكم والأقسام الشرطية بآلاف القضايا ووصل الأمر ببعض الأسر إلى حد القتل .. الخلاصة : إن القانون صدر فاعترض الأزهر قائلا ً: هناك شيء إسمه (حق الخلع) فقيل له : أين كان هذا من سنوات وعقود طوال؟ وحد – فهمي هويدي – إنه خلال شهر وثلاثة عشر يوماً من دخول القانون حيز التنفيذ حصل في القاهرة ثلاثة عشر الف طلاق من النساء مع أخذهن المال – وهو عمل مخالف للعدل القرآني والتصرف النبوي القاضي بأن صاحب القرار يدفع ...والسبب كما قلنا هو التشدد ضد المرأة المجاري للأعراف المعوجة. المقصد الثامن من مقاصد تصرفات الرسول عليه الصلاة والسلام (التدرج): التدرج هنا يأتي في مجالات: التربية، وتنزيل الأحكام، والتزكية...إلى حد الوصول إلى الحقائق العالية والمقامات الرفيعة في مكارم الأخلاق، والقيم النبيلة العُليا...وذلك أن الإٍسلام دين القيم الحضارية (ذلك دينُ القيمة) (قُل إنني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيم ..ديناً قِيماً...) وإذن فالنفوس البشرية هي أٌقرب إلى طباع السباع والحل هو الترويض المتدرج- فقه الاستطاعة – وهنا تأتي فكرة هامة جدا ً تتصل بقاعدة تغيُر الفتوى؛ لأن الفتوى تنزل حسب ظروف وملابسات خاصة، فإذا اختلت هذه الشروط تغيرت الفتوى.. وما لم ينتبه المتفقهون لهذا فالخطأ حليفهم والنتائج غير محمودة ، الوجه الثاني: النصوص الوعظية لا ينتزع منها أحكاماً ً شرعية ؛ لأن الوعظ هدفه الزجر قبل الوقوع وهنا يجوز للواعظ أن ينفر السامع – مثل – النياحة من عمل الجاهلية – إنك أمرؤ فيك جاهلية. وأيضاً: ثلاثة في أمتي هن من الكفر : الطعن في الأنساب والتفاخر بالأحساب والنياحة على الميت. وإذا ًفالوعظ هو زواجر.. فلقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمن اغتابت وهي صائمة بأنها فطرت ولكن لم يأمرها بالقضاء مع أنه قال – أفطرت – إذن هو الوعظ فقط ، ويؤيد هذا القاعدة الفقهية (الدفع أقوى من الرفع) أي الزجر قبل الوقوع أقوى وأفضل من المعالجة بعد الوقوع. المقصد التاسع (الحفاظ على قوة المجتمع): نهى الرسول عن البيع على البيع ونهى عن الخطبة – خطبة الفتاة – فوق الخطبة، لأن هذا يؤدي إلى الشقاق ، وكذا نهى عن تخصيص أحد الأبناء بعطية.. إنه يريد رفع أسباب النزاع حفاظاً على قوة المجتمع وكذا الوصية والشفعة. المقصد العاشر (عدم الغلو في الدين): الدين متين ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني أتخولكم بالموعظة – يباعد في المدة الزمنية بين الوعظ – حتى لا يملوا، ويأتي هنا التكليف حسب الاستطاعة، فالرجل الجبان الذي قال له لا أستطيع الجهاد لأني ضعيف نفس فقال له هلمّ إلى جهاد لا قتال فيه – إنه الحج – فلم يقل له: إنه أعلا ذروة في الإٍسلام ...و الخ إنه تكليف فوق الطاقة. المقصد الحادي عشر (الفراسة) أقوى دليل هو اعتماد القيافة في لحوق النسب. هذا موضوع طويل ولذيذ وأعتذر عن إيراد الأمثلة، ولعل الله يوفق في موضوع خاص .. الخلاصة أن دعوة الرسول إلى الاجتهاد والعصف الذهني كما أشرنا سابقاً وكذا إثارة الهمم بتقديم (الغاز) يهدف من هذا التصرف إلى إكساب العقل دربة حتى يصل صاحبه إلى الفراسة وأٌقرب كتاب تحدث عن هذا هو كتاب (الطرق الحكيمة لابن القيم). المقصد الثاني عشر (الإرشاد والنصح): ونوجز الكلام في نقطتين، الأولى: قوله الدين النصيحة...الخ. والثانية: قال فقهاء المقاصد؛ كل عمل حكم فيه الرسول دون حضور الطرفين فهو إرشاد ونصح وليس من القضاء لأن القضاء يقتضي دعوى وإجابة. المقصد الثالث عشر (التبشير): التبشير قرين التيسير كما جاء في كلام الرسول: بشروا ولا تُنّفروا، يسّروا ولا تُعسّروا. وقد سبق الحديث عن التيسير، وهنا سأركز سريعاً على التبشير فأقول: التبشير والبشرى سلوك حضاري يعمل على تقوية أواصر المجتمع ..فالرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ورد عنه من التهاني وكذا تركيزه على مناقب أصحابه الجيدة ،فيطلقها عليهم (أبو عبيدة أمين هذه الأمة) فلان حواري الرسول – الصديق ذو الوجاهة، يهنيك العلم يا أبا المنذر ....لما سأله عن آية فأجاب، فهنأه بالعلم، وكذا التهنئة بالعيد ورمضان والزواج والمولود والتوبة والعافية بعد المرض..إنها مقاصد نبوية تعني المشاركة بالفرح والحزن، وهذا يقوي الروابط والعلاقات الاجتماعية...الحقيقة أنها قيم عُليا وصاحبها يفوز بالسيادة في الدارين. ملحوظة: هذا المثال مهم جداً يُضاف إلى الغلو والتشدّد وتغيُر الفتوى عند انخرام العادات: وهو: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني الكفار.. كثير من القُراء الدُخلاء على الفقه حرّموا الإقامة في دول أوروبا وسائر الدول غير الإسلامية بناء على فهم سقيم بعيد عن الملابسات، فالرسول قال هذا عند قاتل إحدى القبائل وكان فيها مسلمون سراً فقتلوا فلما علم الرسول قال هذا الكلام؛ لأن باب الهجرة يومها كان مفتوحاً، الأمر الأهم هنا هو: هل دعاة الهجرة إلى الغرب يعلمون أن أكبر مفكري الإسلام من العرب هم آمنون على حقوقهم في الغرب وليس في بلاد العرب؟. رابط المقال على الفيس بوك