في غياب المرجعية الشرعية أو ضعف أدائها تسيد مجلس الفتوى بعض من أسهموا في تشويش الوعي لدى المجتمع المسلم، حتى تداخلت فتاوى التحريم والتحليل، والتجريم والتجويز وغيرها فلم يتضح السبيل لكثير من شباب المسلم ومنهم شبابنا في اليمن، بل وقامت ولاتزال مساجلات ومشاحنات فقهية تفضي في النهاية إلى تشكيل مفاهيم مغلوطة عن الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة.. ونتج عن ذلك التشدد والغلو في الحياة اليومية، والعبادات لدرجة أن ذوي الفتاوى يرون الآخرين من «خرم إبرة» يرون الدين من خلالها، فضاقت في مفاهيمهم التعاليم الإسلامية السمحة، وسعة ورحمة الدين التي جعلها الله تعالى لخلقه كي يؤدوا ماعليهم من طاعات وفروض، وينتهوا عما نهاهم و حرمه عليهم من محرمات وحقوق الآخرين.. آمتثالاً لأمره سبحانه وتعالى بقوله في سورة الحشر «وما آتاكم الرسول فخذوه، ومانهاكم عنه فانتهوا» وتنفيذاً لهذه الآية فإن المسلم يتبع ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتوجهون بتوجيهاته التي كان منها قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، ومانهيتكم عنه فاجتنبوه» لكن الواقع اليوم قد اختلطت فيه على الناس المرجعية الحقيقية والصحيحة التي يحق لها أن تجتهد وتفتي وتدل المجتمع المسلم وتفتيه في شئون دينه ودنياه استقاءً من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.. فالذين يتصدون للفتوى لايمتلكون إجازات شرعية تمنحهم الحق في إصدار الفتاوى الشرعية.. اللهم إلاَّ أنهم فجأة أطلق عليهم شيوخ.. فمن الذي «مشيخهم»؟ ومن الجهة التي يحق لها اختبار مايمتلكون من مقومات وعناصر المفتى حتى يتم الأخذ بفتواه؟!.. الحقيقة لاتوجد جهة دينية أو مرجعية تعظيمهم حق الافتاء.. فتجد اليوم في بعض المساجد اليمنية من يصدر الفتوى بالتحريم والتفسيق والتكفير ويلعن ويفتي باللعن لأنه حفظ بعض الأحاديث النبوية التي يفسرها بحسب هواه أو بحسب ماسمعها من أشرطة وعظية ثم يقرر أن ماقاله شيخه هو الدين وهو الإسلام ومايقوله شيوخ آخرون كله خطأ في خطأ.. أو بدعة أو خروج عن الملة والتعاليم الإسلامية!! إن الفوضى التي صاحبت إصدار الفتاوى ومازالت هي بحاجة إلى وقفة من الجهات المسئولة كي تحجم وتمنع إطلاق الفتاوى جزافاً دونما أهلية علمية ودينية أو دون أن يكون من يتصدر للفتوى متصفاً بالعدل والضبطية والأمانة ويتحلى بسلوك المؤمن المجتهد.. حافظاً لكتاب الله بقراءاته السبع أو العشر مجيداً لتلاوته، فاهماً للناسخ والمنسوخ منه، ملماً بكل ماجاء عن المفسرين المسلمين القدماء منهم والمحدثين .. وكذا يجيد اللغة العربية ودرس لهجاتها ومعاينها ولديه مخزون كافٍ من الأساليب والصيغ العربية والشعر العربي بمايفيده في فهم النصوص القرآنية ويفسر متون الأحاديث النبوية..كما أنه ينبغي أن يكون المفتي ذا قدرةٍ على التمييز بين الأحاديث الشريفة صحيحها وحسنها، مرسلها ومرفوعها وأحادها.. الخ. غير أن الملاحظ اليوم أن الذين يفتون كثيرون جداً تزدحم بهم المساجد اليمنية، ومعظمهم شبان لايتجاوزن الخامسة والعشرين ثم إذا ماأخبرت أحدهم بعدم جواز إصداره الفتوى يصرح بوجهك بفتوى أخرى قائلاً: هم رجال ونحن رجال ويعني ذلك الأئمة الأربعة المشهود لهم بالفتوى ومن تلاهم فيحطون بهذا من قدر الشافعي ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وزيد بن علي وغيرهم ممن وصلوا مرتبةً لايصلها إليه اليوم معظم المجتهدين..ناهيك عن قول هؤلاء الشبان المعجبين بأنفسهم لحفظهم بعض الأحاديث وامتلاكهم أصواتاً جهورية يضاهون بها أصحاب الأشرطة الوعظية فيقلدونهم بكل شيء حتى في الفتياو اصدار الأحكام الإسلامية على الأشياء والناس والدماء فتزداد مشاكل المجتمع المسلم بفتاويهم بدلاً عن حلها والحد منها وآثارها الضارة..ويدعون بذلك إلى الانقسام والتشرذم وليس إلى التعدد والتنوع الذي جاء به الإسلام وأشارت إليه الآية الكريمة بقوله تعالى ( ولايزالون مختلفين إلاَّ من رحم ربك ولذلك خلقهم). إن العلماء المجتهدين الذين يحق لهم الفتيا يتورعون عن إصدار الفتاوى إلاَّ إذا رأوا أنه مناط بهم هذا الواجب ويحذرون من الوقوع في خطأ اجتهادهم ويخافون أن تترتب على فتاواهم أمور تصيب المجتمع بمشاكل أو تبعات تقضي على وحدتهم وألفتهم وتوادهم وترابطهم.. أما الذين يتصدون للفتوى من الشبان في بعض المساجد اليمنية أو حتى من الذين يطلقون على أنفسهم شيوخاً فإنهم لايتورعون عن إصدار الفتوى في كل شيء له علاقة بالدين والدنيا..ثم يتجاوزون إلى التشكيك بما أصدره بعض الشيوخ في اليمن أو الدول العربية من فتاوى لها علاقة بحياة المسلمين وقضاياهم. فالشيوخ الذين ينظرون إلى المجتمع من نافذة مذهبهم الأحادي أو مفهومهم الوحيد للشريعة ومقتضياتها يرون في فتاوى الشيخ عبدالمجيد الزنداني أو الشيخ يوسف القرضاوي أو الشيخ أحمد الكبيسي أو الشيخ سيد طنطاوي أو الشيخ محمد الشعراوي رحمه الله لايُعد بهم، ويشككون في صحة فتاواهم بل وينسبونها إلى الحكام والسلطة فيلوكون بألسنتهم لحوم العلماء التي حرمها الله ويقذفونهم بأقذع الكلام.. فكيف يمكن أن يقتنع المجتمع المسلم بمثل هؤلاء المشائخ وأصحاب العمائم ممن يشتمون ويقذفون بالإثم علماء اجتهدوا وقدموا للمسلمين في الوطن العربي والإسلامي خدمة الفتوى التي تضيء لهم الطريق وتنير لهم السبل كي يعيشوا حياتهم الإيمانية بما يرضي الله ويتبعوا دينه القويم؟!إن هؤلاء المفتين بلا هوية ولا مرجعية ولابد من أن يتوقفوا عند حدهم فليكفِ الأمة والمجتمع المسلم مافيه من مشاكل من أعدائه..والله يكفي الجميع شر فتاوي الشاطحين. شبان في بعض المساجد يحرمون ويجرمون العمل بفتاوى الشعراوي والقرضاوي والكبيسي