رغم الاتفاق في لجنة ال 16 بمؤتمر الحوار على الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة الاتحادية، إلا أن الخلاف بات يتركز على عدد الأقاليم في الدولة الاتحادية.. وفي حين تصر أطراف على أن تشكل محافظات الجنوب إقليما موحدا بحدود ما قبل ال22 مايو 1990م، ترى تيارات سياسية أخرى ضرورة أن تشتمل الدولة الاتحادية على أكثر من إقليمين بتداخل في المناطق بين الشمال والجنوب. وفي العموم، فإن مؤتمر الحوار سينتج عنه شكل جديد للدولة بالتحول من الدولة البسيطة إلى الاتحادية، وبالنتيجة إعادة صياغة الوحدة بمضمون مختلف، لتلافي أخطاء حرب صيف العام 94م بين شريكي الوحدة، وأفضت لإقصاء الجنوب كشريك أصلي فيها لصالح نخبة سياسية استمرأت حيازة السلطة والثروة سنين عددا.. وربما كانت الدولة الاتحادية الفيدرالية بما هي تعبير عن الوحدة والتعدد معا، سواء أكانت من عدة أقاليم أوحتى من إقليمين هو المخرج العملي للأزمة المستفحلة للقضية الجنوبية، المتجاوز لتوجسات الانفصال والتشظي، فأحداث التاريخ لا يمكن إعادة تدويرها، والسعي للعودة إلى ما قبل الوحدة هو خرق أهوج لقوانين التاريخ، لا يقابله في عبثيته، غير الإصرار الشديد على أن الدولة الاتحادية، ستفضي للانفصال، فكلا الاستخلاصين، يؤشران لانعدام الثقة بين فرقاء السياسة، لا عن تفكير عقلاني يسترشد أبجديات التاريخ والسياسة. إن الدولة الاتحادية الفيدرالية، بما تنطوي عليه من نشر للسلطة وتوزيع للثروة ستتيح إعادة موضعة الجنوب شريكا أساسياً في الوحدة، وتقدم حلا عادلا للقضية الجنوبية، كقضية لا يختلف حول عدالتها حتى أولئك الذين أسهموا في ظلمه ولازالوا.. ودلالة الأمر: الاتفاق على المناصفة في مناصب الدولة القادمة بين الشمال والجنوب.. إلا أن تشدد بعض التيارات على حق تقرير المصير، يقابله بالنتيجة إصرار مماثل في الحفاظ على الوحدة حتى بمنظور قيمتها الأخلاقية والعاطفية المتغافل عن كونها أداة للتنمية الوطنية... وتلك لا سواها عقدة المنشار، التي لا سبيل لتجاوزها بغير مزيد تنازلات من الأطراف المتحاورة، للخروج بمنظومة سياسية مغايرة تضمن الوحدة والتعدد معا، قوامها الحكم الرشيد، وتستند على مبادئ العدالة والشفافية والمساءلة، إذ إن غياب دولة عادلة سيؤدي حتما إلى متوالية انفصالات، يصبح عندها حق تقرير المصير واقعا لا أملا، وبدونها يصبح الولاء العاطفي لوحدة جوفاء إلا من نزعة متضخمة لإدامة سيطرة نخبة بعينها على السلطة والثروة، عبث لا طائل من ورائه. الدولة العادلة يجب أن تكون غاية المتحاورين لا الخلاف على عدد الأقاليم، ومن حق أبناء المحافظات الجنوبية مثلما هو حق لليمنيين كافة، المطالبة بضمانات لإنفاذ هكذا غاية حتى وإن استدعى الأمر مرحلة انتقالية ثانية، فأبناء المحافظات الجنوبية لم يكونوا ضد الوحدة، وهم السبّاقون إليها، إنما ضد دولة الوحدة ونظامها السياسي المهترئ، ولم يرفضوا كونهم جزءا من الوطن، بل هم ضد اعتبارهم جزءا من الشمال.. والقضية الجنوبية وان أخذت طابعاً جهويا إلا أن محتواها وطني بامتياز، وحلها هو بحق المدخل لحل كافة قضايا الوطن. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك