الأمر كان متوقعا تماما، والمتحاورون في (موفمبيك) لم يصلوا بعد لرؤية موحدة بشأن طبيعة النظام السياسي والإداري الجديد، وفي حين تلوح المؤشرات إلى قرب الحسم في موضوعة نظام الحكم برلمانيا كان أم رئاسيا، لا يبدو أن قضية النظام الذي سيحدد طبيعة العلاقة بين المركز والمحليات سيجري الاتفاق عليه بالسهولة ذاتها. مواقف الفعاليات السياسية من النظام الإداري التي تكشفت باكرا، تتوافر على مراوحة واسعة من الأفكار، بعضها ينحو باتجاه تعزيز اللامركزية الإدارية، في مقابل أخرى تنتصر للامركزية السياسية (الفيدرالية).. طوفان الأفكار تلك، تصبح أكثر تمايزا عند الحديث عن الفيدرالية، التي لم تشهد اتفاقا حولها، وإن حدث.. ينشأ التمايز من تعدد الرؤى حول مستوى السلطات الممنوحة للمحليات وعدد الأقاليم.. وفيما تلهج أصوات تدعو لدولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي، ترتفع ضدها مطالبات بضرورة اشتمالها على أكثر من إقليمين، كون الخيار الأول يستبطن سعيا محموما لاستدعاء حالة ماضوية انتهت بقيام الوحدة العام 1990 ، وتكريسها حاضرا، أملا في العودة إلى ما قبل تلك اللحظة التاريخية الفارقة. التجاذبات الملتهبة بشأن النظام الإداري تضغط بثقلها على مداولات مؤتمر الحوار، وظهرت أقصى تجلياتها في التلاسن الحاد والعراك بين المتحاورين، وهي تجاذبات تحكمها نزعات أنانية، تجاوزت السقف الوطني، أو تحاول الافتئات عليه، سواء من الداعين صراحة للانفصال أو المضمرين له.. وحتى من نخب تقليدية عصبوية في المركز المقدس لا تريد الإقرار بالقضية الجنوبية، ولا بكارثة المركزية الشديدة واستتباعاتها المفضية إلى تجيير السلطة والثروة لصالحها، ما يفسر سعيها المحموم لعرقلة أيما توجهات لنشر السلطة والثروة، واجتراح نظام لامركزي يجعلها في مرمى الصياغة الجديدة.. بيد أن المواطن لن يقبل بحالة لامركزية جوفاء أو العودة إلى المركزية البغيضة، مثلما أن مطلب الانفصال لن يكون في صالح المحافظات الجنوبية قبل شمالها، كعبثية عدمية تؤسس لمتوالية انفصالات لن تنتهي.. وذاك ما يضاعف اليقين في خروج الحوار برؤية جامعة تضمن وحدة اليمن واستقراره... وفي السياق تبدو الفيدرالية أكثر حظا من اللامركزية الإدارية، ليس بوصفها حلا ملهما سحريا لكافة المشكلات، بل لأنها تقدم الاستعاضة المتاحة لخيار الانفصال البائس. وفي الواقع، فإن اعتماد الفيدرالية، لن يقتضي تدرجا في نقل السلطات للأقاليم، فحسب، بل نقلا لا متوازنا لها، يتغاير من إقليم لآخر، خاصة أن بعضها قد لا تتوافر على موارد كافية ولا كفاءة إدارية لممارسة سلطاتها، ما يحتم على الدولة الاتحادية حجب بعض سلطاتها لحين استكمال قدراتها، وفق مبدأ (السلطات غير المتوازنة) كمنهجية تتوسلها عديد دول فيدرالية لمعالجة التباينات في كفاءة الأقاليم، وأيضا لمواجهة الاختلالات السياسية فيها سيما التي تشهد نزعات انفصالية .. ولأن تشابه الداء يستدعي تشابه الدواء، يمكن توسل ذات النهج مع القضية الجنوبية، بنقل سلطات إدارية وتشريعية لمناطق المحافظات الجنوبية أكبر من سواها، وهي معالجة لا ينبغي مقاربتها بكلفة الانفصال أو ديمومة حالة الهشاشة السياسية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك