اليمن بلد التفاهمات الهادئة، والخلافات الصاخبة، والمثال القريب، لقاء الشيخين صادق الأحمر وصغير بن عزيز، في أولى فعاليات مؤتمر الحوار، حيث ظهرا فجأة كلٍ يصافح الآخر، بعد أشهر من حرب ضروس، دماؤها لما تجف، وسيوفها لما تلامس أغمادها.. فيما التمثيل الأشهر للحالة، الحدث الفجائي للوحدة العام 1990، والخلاقات الصاخبة التي تلتها لتصل حد الحرب الطاحنة.. مع ذلك فالأمر محمود قدر تعلقه بالتصالح والوحدة، بيد أنه ليس كذلك ، في أمور تجري ضدا على المصلحة العامة. التوجسات من توسل النخبة المسيطرة في اليمن، لمنهجية التفاهمات والصفقات الغامضة ، ضمانا لديمومة مصالحها له ما يبرره، طالما وقد درجت عليها كثيرا، و لا تزال تمسك بمفاصل الجهاز الإداري والجيش والأمن، رغم زلزال التغيير العام 2011م .. في حين أن الاعتقاد بكونها ستعمد لإنتاج منظومة، تجعلها في مرمى الصياغة الجديدة، ينطوي على سذاجة مفرطة .. والشاهد هنا في غموض يكتنف رؤيتها من اللامركزية إدارية كانت أم سياسية (فيدرالية)، وهو غموض مبعثه تشتت مواقفها بين الرفض المطلق للفيدرالية باعتبارها رديفاً للانفصال، إلى إمكانية الأخذ بها، شريطة أن لا تقوم على إقليمين ودونما حكومات ولا برلمانات إقليمية، إلى مواقف تنتصر للامركزية الإدارية .. وفي تعدد الرؤى، ملمح ديمقراطي، إلا أن عدم توافر رؤية واضحة، بعد مضى قرابة الشهرين على مؤتمر الحوار، يحمل على الريبة، سيما والفترة المتبقية قد لا تكفي للتوافق بشأنها، ولتوزيع السلطات والموارد بين المركز والمحليات، تسمية الأقاليم والهياكل الإدارية، وهيئاتها المركزية والمحلية والمشتركة، لإدراجها في الدستور القادم... والتأجيل لهكذا قضية، فيما فعاليات أخرى بلورت رؤيتها منذ وقت مبكر، ربما كان متعمدا لحين يشارف الحوار على الانتهاء، لتستدعى حينها رؤيتها الضامنة لمصالحها من الصناديق السوداء المغلقة، ولتغلفها بحجة جاهزة: ضيق الوقت وضرورة الإسراع في انجاز دستور، بنصوص مبهمة تشرعن للامركزية جوفاء، مبطنة بمركزية شديدة لا تزال تضرب أطنابها.. كما في الدستور القائم. الحذر يستدعي ما ذُكر، بيد انه لا ينفي تفاؤلا باعثه وجود شخصيات سياسية واجتماعية مشاركة في الحوار متجردة من أيما مطامح شخصية كثيرا ما عمدت إلى تقديم رؤى خلاقة على قاعدة الأرضية المشتركة للجميع، ما يضاعف مسؤوليتها في اللعب بذكاء وسحب البساط على من يؤثر مصالحه على ما سواها .. فإن كان يصعب القول بتحول جذري شهدته اليمن بعد العام 2011م ، إلا انه يصح القول إن التغيير لا يزال مستمرا، وان العودة إلى اللامركزية الجوفاء ما عاد حتميا بل صار أبعد ما يكون . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك