يأتي العيد أو نحن الذين نذهب إليه، والفرق واضح بين عيد يأتي، وعيد نذهب إليه. فالعيد الذي يأتي يكون إجبارياً من الناحية النفسية، بخلاف العيد الذي نذهب إليه استبشاراً وفرحاً، له مذاقة وفرحته. صارت الأعياد والمناسبات تشكل عبئاً ثقيلاً على كواهل الكثير من الناس.. وفي ظل شحة الأفراح الحقيقية صار الكثيرون أيضاً يحاولون التعاطي مع المناسبة لملء الفراغ في الفرح والسعادة للتخفيف من أوجاع الحياة وأحزانها. لا بأس من هكذا مناسبة علاجية كمحاولة للإفلات من قبضة الأوقات السيئة والأحداث التي تبعث على القلق والخوف، وقد طال عمرها وألقت بتبعاتها على الناس فأحرمتهم الإحساس بحلاوة الأيام إن كان في حياة أولئك أياماً حلوة. بإمكان المهتم بهذا الشأن أن يُجري استبياناً ليرى ويسمع عن رؤية الناس لفرحة العيد. ربما تكون النتيجة صادمة لمن لا يتوقع حجم الألم الطاغي في حياة الكثيرين، ولعل هذه النتيجة تدفع نحو البحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الوضع، وهي أسباب معروفة، ولكن ثمة من يغطي على عينيه ومسئوليته وأمانته تجاه هؤلاء الذين تسحقهم المعاناة وتمرعليهم المناسبات والأعياد بالمزيد من الهموم والمتاعب. كانت فرحة العيد تسبق يوم العيد بأيام عديدة وتطول فرحة العيد مثل ذلك وأكثر، ومع مرور الأعوام تراجعت مساحة الفرح وضاقت الأوقات وقلّ عدد الفرحين إلى حيث لا طعم لفرحتهم وسط أعداد الذين لا يهمهم إن جاء العيد أم لم يأتِ، ويتمنون لو يهربون منه لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.. لكنه يأتي إليهم كيوم لا فرق بينه وبين سائر الأيام في أحسن الأحوال. لست أدري إن كان هذا الذي يخطر ببالي الآن عن العيد والناس يخطر ببال أصحاب المسئولية عن الناس، وهل دموع المنابر وغيرها لم تزل تسيل لمعاناة الذين لا يجدون لمثل تلك المناسبة ما يبعث على أقل مستويات الفرحة، لكنهم يجدون ما يبعث على أعلى مستويات الحزن والحسرة. واضح أن الأصوات التي كانت تتعالى لأبسط أسباب الغلاء والمعاناة قد تلاشت وسكت الجميع عن الصراع التجاري والسياسي في هذا الجانب.. وأقول لمن يسأل عن أصحاب تلك الأصوات : لقد اتخموا ولم يعد بمقدور أحدهم أن يحس بآلام البسطاء وحاجتهم ومعاناتهم... ولأن مسئولية هذه الأوضاع صارت مشتركة فلن يقولوا شيئاً.. لأن هؤلاء اعتادوا على انتقاد غيرهم والمتاجرة والمزايدة بآلام الفقراء والمساكين فلن يقولوا شيئاً، ومن غير المسموح القول : إن الحكومة لم تعمل من أجل مصلحة الفقراء والمحتاجين. ليس من ضمن برنامج التقاسم والغنائم التوافقي العمل على تخفيف معاناة الناس الذين يتمنون ألا يأتي العيد القادم طالما يأتي في مثل هذه الظروف. بالتأكيد هناك من سيعيش منتظراً حتى يأتي العيد الذي لا يخالطه الحزن ولا يعكر صفو أوقاته الهم والحرمان.. وتبقى هذه هي أمنيته على أمل أن يكون حظه من السعد باقياً.. وعلى أرباب المسئولية وأصحاب الغنائم والأرباح التقاسمية أن يدركوا أن حظهم من الهم والحزن باقٍ، ولن يكون لهم فرح دائم وللناس حزن دائم، وكل عام والعيد عيد للجميع..