لو لم يكن هناك ثواب وعقاب وجنة ونار فإن المروءة والوفاء يقتضيان الوفاء لأكثر الناس معروفا علينا في هذه الحياة كسلوك بديهي ومنطقي وسليم ، وليس هناك في هذه الحياة من هم اكثر معروفا وفضلا علينا بعد الله من والدينا ، فما بالك وهناك جنة عرضها السموات والارض لمن آمن بالله وطاع والديه ، ونار وعذاب شديد لمن عصى والديه . اذا تذكر الواحد منا طفولته وشقاوته وكيف تعامل معه والداه في افراحه وصحته ومرضه ، وكيف كانا يفرحان لفرحنا ويحزنان لمرضنا وتعبنا، يسهران الليالي والايام من اجلنا وهما في أتم السعادة والرضا بهذا التعب والسهر ، ويخافان علينا من نسيم الصباح الطلق فضلا عن اي مخاطر ، اذا غبنا عن انظارهما يبقيان في قلق وخوف علينا حتى نعود لهما . ما اعظم الوالدين وما اعظم حقهما علينا ، ومهما نعمل لن نوفي الجزء اليسير مما يستحقانه ، فما بالك ونحن مقصرون اشد التقصير. الانسان في هذه الحياة قد تأخذه المشاغل فيقصر بحق ابويه وهو يسوف انه سيتفرغ للاهتمام بهما والقيام بالواجب وسيبذل الكثير للقيام بالواجب مستقبلا متناسيا ان هناك طرفاً ثالثاً يتربص بهما قد لا يمكنه من هذه الفرصة التي يحلم بها ، وفي الغالب الأكثرية يقطع عليهم الطرف الثالث هذه الفرصة فلا يدركانها . هل تعلمون من هو الطرف الثالث ؟ انه الموت لأنه لا يأتي إلا بغتة ! فيأخذ منا اعز الناس علينا ، نندم حينها ليس على موت الحبيب ، لأن الموت حق ! ولكن نندم على تقصيرنا حتى وان كنا طائعين، نندم لماذا لم نكن اكثر طاعة مما كنا عليه ، ولا يدرك المرء هذا الشعور الا عندما يفقد احد ابويه ، في ساعة لا ينفع معها الندم. ودعت والدي رحمة الله عليه قبل سبعة عشر عاما واشهد الله انه لم يقصر معي وبذل كل جهده في حياته من اجلي بكل مايستطيع وحرص على تنشئتي التنشئة التي يرضاها الله فعلمني قراءة القرآن وعمل على تفقيهي في ديني وسلمني لحلقات العلم لكبار العلماء ، وأدخلني المدرسة في الوقت الذي كان كل الآباء في منطقتي لا يدرسون ابناءهم بسبب الظروف الصعبة التي كان يعيشها المجتمع ، ولهذا حياتي كلها مدينة له ، ومهما اعمل لن اوفيه قطرة وأحدة مما له عندي من دين ! يقولون ان الانسان بمرور السنين ينسى احزانه ، ولكني مع مرور السنين ازداد شوقا لوالدي رحمة الله عليه واحيانا اشتاق للموت شوقاً للقاء والدي ، اللهم ارحم ابي واجزه عني خيراً ، اللهم جازه عني خير ما جازيت به أباً عن ابنه ، وارحم أمي وأحسن لها الختام واجمعني بهما في مستقر رحمتك في الفردوس الأعلى ، وارحم اللهم آباء وأمهات قراء مقالي هذا ووفقكم لطاعة والديكم.. اللهم آمين رابط المقال على الفيس بوك