مقال الأستاذ القدير والمناضل الكبير أنيس حسن يحيى في صحيفة الثوري الخميس المنصرم كان مقالاً شاملاً جامعاً، ففي الوقت الذي استهله بتجربة الحزب الاشتراكي في جنوب البلاد، تلك التجربة التي كانت موضع إعجاب وتقدير معظم الشعوب والبلاد العربية، فإنه في نفس الوقت كان قد وجه نقداً ذاتياً لاذعاً لجملة من التصرفات والممارسات التي قام بها عدد من رفاق الحزب، تلك الممارسات التي أتسمت حسب وصفه بالعمل غير المؤسسي، حيث كانوا يضعون أنفسهم فوق هيئات الحزب القيادية، وعلى نفس السياق استشهد بحادثة اغتيال أحمد الغشمي عام 1978م، وأنها لم تكن بقرار مؤسسي من قيادة الحزب. وهناك أمر آخر لا يقل خطورة وأثراً من الحادثة الأولى، وهو حرب فبراير 1979م هي الأخرى لم تكن بقرار قيادة الحزب.. ويضيف من أن القيادة فوجئت بوجود قواتنا الجنوبية في منطقة “دمت” ثم يضيف: لقد كان البعض ممن أقدم على خطوة مغامرة كهذه، وتصرفهم غير الحكيم، وغير المدروس، هذا وغير محسوب النتائج أنه يمكن لحرب خاطفة كهذه، يمكنها تحقيق الوحدة اليمنية، وبالرغم من أن الحكومة وقيادة الحزب لاحقاً قد أحسنتا التعامل مع هذين الحادثين بمسئولية وحزم، إلا أن القيادة قد عجزت عن محاسبة من ارتكب تلك الحماقات، الأمر الذي تحولت مادة ذلك الاغتيال إلى أزمة عميقة عصفت بالحزب، وهي ما عرفت بأحداث سالمين الخ.. ثم يواصل حديثه الصادق والأمين الذي لا يعرف اللف والدوران، أو ملق جماهير الحزب فيقول بكل ثقة: اليوم العمل المؤسسي في حزبنا، وعلى صعيد القيادة تحديداً غائب، وهو ما يشكل أبرز خلل في حياة حزبنا على صعيده الداخلي، وعلى صعيد علاقاته مع القوى السياسية الأخرى، فهذا الخلل يحد قطعاً من فعالية حزبنا في الحياة السياسية، وهذا الخلل عيب قاتل يباعد بالحد الأدنى بين مشروع بالحزب الحداثي العظيم، وبين أدائه الذي يتسم بضعف حضوره في الحياة السياسية في الغالب. كانت هذه فقرات من مقال الأستاذ أنيس والتي تدل على شجاعة نادرة لا يمتلكها سوى طبيب ماهر مفعم بقدر كبير من الثقة بالنفس، وبرؤيته للأمور، وإذا كان لي من إضافة أو تعليق بهذا الشأن الوطني، ولا أقول الحزبي، فالحزب والحزبي الذي يتمتع بهذا النقد العالي من المصداقية والصراحة والجراءة، إنما يثبت بالدليل القاطع على وطنيته الصادقة وإخلاصه وتفانيه لهذا الوطن. وأما الإضافة التالية بهذا الصدد فإنني أتمنى من كل قلبي ويتمنى معي كل أبناء اليمن من بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية بكافة توجهاتها ومشاربها الارتقاء إلى مستوى هذا السلوك الحزبي الذي تجلى بقول الأستاذ أنيس حسن يحيى هذا المناضل المخضرم الذي عاصر العديد من حقب العضال وخبر معاني النضال وأبعاد النقد الذاتي الذي يطهر نفوس ووجدان أعضاء أي حزب من كافة الأمراض والعيوب، كما جاء في سياق مقاله..كما لا أخفي قارئي العزيز من أن هذا المقال للأستاذ أنيس، وفي سياق استرسله له وحديثه عن تكوين أي حزب ونشوئه وتطوره كان قد أشار بهذا السياق إلى أحد المناضلين العتاة الصادقين إلى اسم الأستاذ يحيى محمد الشامي، وأطلق عليه في مقاله بشيخ المناضلين، وأنا أوافقه على هذه التسمية.. ولأنني قد عاصرت الأستاذ يحيى في ظروف صعبة جداً، وصنعاء محاصرة بأجواء قلقة رهيبة “ومحمد خميس” في أوج قوته وعنفوانه وبطشه، وعدد من المناضلين يصارعون أمواج ذلك البحر المتلاطم الأمواج، فكان الأستاذ يحيى يواجه تلك الأمواج والعواصف بشجاعة وثبات، أما معرفتي به لأول مرة فتعود إلى أعقاب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عقب عودته من القاهرة وبمعيته مجموعة من الطلاب العائدين من القاهرة الذين قطعوا دراستهم، ووصلوا إلى صنعاء للانخراط بالحرس الوطني بهدف الدفاع عن الثورة والجمهورية.. ومازلت أذكر تعليقاته الحماسية في إذاعة صنعاء.. وعلى كل حال فإن ما جاء في آخر الفقرات الخاصة بشأن الأستاذ يحيى وصلابته وثباته، وإنه لا يمكن أن يحبط مهما كانت الصعاب التي تعترض مسيرته الكفاحية.. أتمنى لكل المناضلين الثبات. رابط المقال على الفيس بوك