حتى لا نبقى أسيري القيود القانونية المبالغ فيها في التشدد بتقييد الإعلام لاسيما الفضاء الإلكتروني حسب ما هو مقرر في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني أن يصدر قانون تنظيم الصحافة عامة والإعلام الإلكتروني خاصة والذي قد يؤثر على الرسالة الإعلامية فانه يجب على الإعلاميين أن ينقوا مهنتهم من الشوائب التي علقت بها وتنظيفها من الدخلاء عليها لأنهم أساءوا إلى مهنة الإعلام ونفروا الناس منها وان يكون لهم رأي فيما يجري وراء الكواليس من تعد على حرية الإعلام وتقييدها بهدف الحد من الحصول على المعلومة من مصادرها الحقيقية ونشرها للجمهور.. صحيح قد نتفق مع من يذهب إلى أن الفضاء الإلكتروني يشهد إفراطاً في التعامل مع الأخبار بلا مصادر ودون التأكد من صحتها.. لكن ذلك لا يعني أن نكبله بقيود ونضع فزاعات قانونية تخنق انسياب وتسلسل المعلومات والحقائق والأخبار وإن كان من المهم أن نرى تنظيما وتحديدا لقانون ينظم عمل الفضاء الإلكتروني لا أن يقيده وان يحدد سقفا عاليا يتيح الحرية والديمقراطية بضوابط ولا يسمح بالانفلات الإعلامي والانسياب الإخباري غير المستند إلى الحقائق ويضر بمصلحة الوطن العليا. يجب أن لا يستهوينا السبق الصحفي أو إثارة ونبش القضايا والمقدرة في التنافس على خلق مناكفات بين قادة القوى السياسية على طريقة ونمط صراع الديكة التي لا يخرج منها الناس ولا الوطن والشعب إلا إلى مكايدات فارغة وأحقاد وإحن لا تساعد على تطوير العمل السياسي بقدر ما تخلق متاريس نفسية ..ولذلك لا نرضى بأن يكون الفضاء الإعلامي بكل اشكاله وألوانه مهادنا كالشكولاتة ولا ناعما كالزبدة لأن ذلك يكون أشبه بالخيانة للوطن والمواطن وللوظيفة الإعلامية نفسها.. وإنما نريد للإعلاميين كافة أن يتمثلوا ميثاق شرف غير معلن فيما بينهم يدركون من خلاله مصلحة الوطن وخدمة قضاياه ومصلحة أن يتصالح الشعب مع ذاته وثقافته ومقدراته.. قد يقول البعض أن الحرية الإعلامية التي نشهدها اليوم في ظل غياب القوانين المنظمة لها تجاوزت حدودها وعمتها الفوضى في التناول بعيداً عن المهنية ربما بسبب اقتحام الدخلاء لمهنة الإعلام أو بسبب الانتماء السياسي والحزبي للكثير من وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك الفضائيات التي أصبحت تنطق بأسماء الأطراف التي تديرها وتوجهها على حساب مصلحة الوطن وقضاياه.. لكن هذا لا يعني أن نقلل من دورها في كشف الفساد الإداري والمالي والسياسي وهو ما جعلها بمثابة رقيب على الوضع الذي نعيشه اليوم بما يحمله من فوضى تؤكد غياب الدولة وأنظمتها وقوانينها لتحل محلها شريعة الغاب حيث أصبحت المنشآت الحيوية التي تعد ملكا للشعب كله معرضة للخراب والدمار من قبل أولئك الذين تعودوا أن يجعلوا انفسهم فوق القانون مستغلين ضعف الدولة وانشغال القوى السياسية بخلافاتها الشخصية.. وما يحدث من تدمير للمنظومة الكهربائية وأنابيب النفط والغاز والتقطع في الطرقات إلا دليل على مدى الوضع الهش الذي نعيشه ويؤكد في نفس الوقت أن الأزمة التي يمر بها الشعب اليمني لم تعد أزمة سياسية ولا إدارية ولا اقتصادية وأمنية بسبب فشل الأجهزة الحكومية وإنما أصبحت ازمتنا هي أزمة أخلاق بامتياز وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. وحين تفقد الشعوب أخلاقها فإنها تفقد معها كل شيء لأن الأخلاق تتمثل فيها المبادئ والقيم والمثل السامية التي بدونها لا يمكن أن يتم بناء الإنسان بناء سليما يمنحه القدرة على الخلق والأبداع.. ومن يرجع إلى القرآن الكريم سيجد أن الله سبحانه وتعالى وصف نبيه الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام بالخلق قائلاً: وإنك لعلى خلق عظيم.. وكان النبي الكريم يتفاخر ويقول: جئت متمما لمكارم الأخلاق أو كما جاء في الحديث ..وهذا تأكيد بأن زمن الجاهلية قبل الإسلام كان فيه أخلاق تجعل الإنسان يقول الصدق ولا يكذب أو يغدر.. ورغم أن القوم الذين كانوا يعيشون في العصر الجاهلي مشركون يعبدون الأصنام إلا أن أخلاقهم كانت تمنعهم من الكذب وكان عندهم حلف الفضول الذي أشاد به النبي محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن بعثه الله نبيا وقال بما معناه :لو دعيت إلى مثل هذا الحلف لأجبت.. ولأن النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان يعرف بوحي من الله ما الذي سيحدث بعده لأمته فقد قال: (ولدت بين جاهليتين أخراهما أعظم من أولاهما) ونعتقد أننا فعلاً نعيش اليوم في عصر الجاهلية الأخرى بدليل أننا فقدنا الأخلاق التي تشكل رادعا لنا وتمنعنا من ارتكاب الكبائر كقتل النفس المحرمة والكذب على بعضنا وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعنصرية بهدف التفريق بين أبناء المجتمع الواحد وتغليب مصالح الأحزاب والأشخاص على حساب مصالح الوطن والشعب.. ومن المؤسف أن يحدث هذا في أوساط مؤتمر الحوار الوطني الذي يعلق أبناء الشعب اليمني على مخرجاته وما سيتم التوصل إليه من اتفاقات بين المتحاورين لتشكل حلولا لكل مشاكل اليمن وخارطة طريق للمرحلة المقبلة.. لكن يبدو أن ما يحدث عكس ما يأمله اليمنيون ..وبحسب شهادات من أعضاء مؤتمر الحوار انفسهم أن المتحاورين يغلبون مصالح أحزابهم على حساب المصلحة الوطنية العليا.. وكان الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية عضو مؤتمر الحوار آخر من ادلى بشهادته حول ذلك في حديث صحفي نشرته جريدة: (الثورة) مؤخراً حيث اكد على هذه الحقيقة.. فهل يعني ذلك أننا سنظل ندور في حلقة مفرغة حتى يفاجأنا المجتمع الدولي بفرض أجندة علينا شبيهة بالمبادرة الخليجية التي إلى الآن لم نحسن التعامل مع بنودها وتنفيذ آليتها التنفيذية المزمنة رغم انه لم يبق من الوقت إلا القليل حتى انتهاء فترتها المحددة بعامين.. وكل طرف سياسي من الذين وافقوا ووقعوا عليها يفسرها على هواه بما يتفق وخدمة مصلحته الخاصة.. أما الشعب فقد اصبح لا حول له ولا قوة وصار يعيش بين نارين ..فإن انفجر غضبا ليس في صالحه وان ظل ساكتا على ما يجري له تفرعن من بيدهم مقاليد الأمور وزادوا من المبالغة في ظلمه.. والإعلام يسبح بملكوت الأحزاب والأشخاص متجاهلا الوطن وقضاياه وعليه ليس أمام الشعب اليمني الذي تخلى عنه الجميع إلا انتظار الفرج من الله..! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك