في غمرة الغوص والتماهي في أخبار السياسة ودهاليزها الشائكة والتي تماهى فيها الجميع وانشغل بها القاصي والداني والصغير قبل الكبير من أعلى سلطة في الدولة مروراً بكل شرائح المجتمع وأطيافه المختلفة، وبات المواطن العادي رهن التحوّلات السياسية التي تمرُّ بها البلد تحدوه الآمال العراض أن يلمس تحسناً لو بسيطاً في واقعه المعاش؛ يلقي بظلاله على حياته ومستوى الخدمات التي مازالت في تراجع مستمر وتتقدّم ولكن بمستوى عكسي ومن سيئ إلى أسوأ، وبالتالي أثّرت الحالة الاقتصادية على البلد ككل وتراجعت وفاقمت كثيراً من معاناة المواطن اليمني. وفي ظل هذا الانغماس المفرط في أخبار التحوّلات السياسية وثرثرات الساسة وجدالاتهم ومهاتراتهم وشدّهم وجذبهم الذي مازال يفاقم من النفق المعتم التي نسير فيه راجفين الأفئدة على وطن مازال ينبض في تفاصيل دمنا، ولن يتوقف إلا إذا نحن انتهينا, في ظل هذا كله كان الثمن غالياً جداً, وهو أنه جاء على حساب أولويات أخرى كثيرة تُركت هكذا دونما اهتمام وحسب التساهيل، وسبحت في بحر من اللامبالاة والتغاضي العظيم, ومنها على سبيل المثال لا الحصر أوضاع 25 مليون يمني ومعايشهم وحياتهم التي تتردّى كل يوم منها الغلاء المستعر والماء والكهرباء والبلطجة والسلاح والعصابات... إلخ، ولن أعدّد هذه الأولويات؛ لأنها كثيرة جداً، ولا يتسع المجال لذكرها إنما سأركّز على التعليم باعتباره النواة الأولى لرقي أي مجتمع ولنهضته؛ لكن يبدو أننا لا مجال لنا لهذا الرقي مادمنا مستمرين في السير على جمرات يشتد زمهريرها يوماً بعد آخر. التعليم الذي أصبح جرحنا الراعف وألمنا الذي لا يكف عن النزيف والحسرة والألم, التعليم الذي صار في واد سحيق وتجهيل مرعب بينما الدولة وسط قيعان السياسية تهيم ومنغمسة فيها حتى النخاغ، التعليم الذي تعدّى مراحل التسيب وأصبح تسييس التعليم من أوليات من يعملون به، وانتقلت جراثيم التسييس حتى لطلاب الابتدائية.. التعليم الذي تعدّى مراحل الانفلات العلمي بمراحل لكأنما يخال لنا أنه لم يعد منه إلا حروف اسمه المهترئ.. التعليم الذي صار المعلم فيه هو الحلقة الهشة في معترك تعليمي سياسي يسعى إلى التجهيل على قدم وساق ولحشو العقول بمبادئ الحزبية والانتصار لهاو ولعن وتكفير ومعاداة كل من لا يوافقه الرأي أو ينتصر لحزب دون آخر ولمذهب دون غيره ولطائفة غير التي يمجّدها ويطوف حولها طواف الناقم من وطنه.. التعليم الذي ناحت من أجله حروف من لايزالون يرون فيه بصيص نجاة خافت، وشاخت أصوات كلماتهم وخرست تمتماتها وعقم مدار القلم وبح حبره وهو يحكي عن سوء التعليم وهشاشة مخرجاته وتسييس مدارسه وبيع الكتب الوزارية على الأرصفة وبلطجة الهراوات والبنادق التي صارت تطال المعلمين بسبب ومن غير سبب، وخطورة الوضع الذي تفوح منه روائح عقول متحجرة مغلّفة بالجهل والعتمة الفكرية تسعى لارتداد العلم إلى أوج صور التخلُّف والانحطاط. متى سيدرك القائمون على التعليم أنه إذا أردنا للتعليم أن يخرج من قوقعة الجهل وعنق الفوضى والخواء المعرفي والعقلي الفظيع؛ عليها أن تباعد بين التعليم وتسييسه كبُعد المشرق والمغرب، وتجعلهما خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً أبداً.. حينها فقط سينجو. رابط المقال على الفيس بوك