أحب الجندي، بقدر حبي للوطن، وحاجتي إلى الأمن، وكراهيتي للمليشيات والمحاكم العسكرية.. وأحب الدين، بقدر حبي لأبي، وحاجتي للعزاء، وكراهيتي لرجال الدين ومحاكم التفتيش.. العسكري المحترف، بطبيعته، درعٌ للوطن، وضمان للحرية، وليس لديه في العادة عُقدٌ أو مشاكل أيديولوجية أو اجتماعية أو فكرية.. تجاه الفن والأدب والتقدم والتحديث.. لكنه حين يتولى السلطة يمكن أن يصبح ديكتاتورا، ويمسي الآخر معتقلا سياسيا.. المتدين الإيجابي بدوره شخص سوي، متصالح مع ذاته وعالمه، ويحاول جاهدا تمثّل الفضيلة في علاقته بالله والآخرين، والدين المعاملة، لكنه عندما يختل يصبح العالم مختلا، وبمجرد أن يصبح رجل دين مسيساً تتلبسه حالة فوبيا حادة تجاه الفن والتنوع والجمال، وتبدأ مشاكله مع الحريات السياسية والاجتماعية والفكرية.. وحتى قبل أن يصل إلى السلطة يمارس دور الوصي على القيم والحياة والآخرين. كلٌ منهما يبدأ حلا، وينتهي مشكلة، فالمشكلة بشكل موضوعي ليست في العسكر، بل في “هتلر”، ليست في الدين بل في “راسبوتين”، يبدأ الأمر عادة بتحرش الجندي أو المتدين بالسياسة، وينتهي بوصوله إلى السلطة واجتياح المدنية، على حساب الدين والوطن والإنسان. وكشخص معاصر، يرى الحل في المدنية والمواطنة والحرية والعدالة.. لا بد أن تصطدم بأيٍّ من النظامين، العسكري أو الديني، أو بهمامعا.. الفرق: إن عليك مع العسكري أن لا تتدخل في السياسة، وتوقّع عندما تتجاوز الخطوط الحمراء أن تحال إلى محكمة عسكرية، بتهمة أمنية أو وطنية.. فيما عليك مع رجل الدين -الذي يتدخل في كل أمورك الشخصية، ويدخل معك حتى غرفة النوم، ويرصد طريقة دخولك دورة المياه..- أن لا تتدخل في أي شيء، بما فيه قضايا الأزياء والنظافة الشخصية. كل شيء لدى رجل الدين محدد ومخطط سلفا، وتوقع عندما تخترق “المحظورات” أن تُتهم بمحاربة الله ورسوله، وستكون محظوظا لو أُحيلت قضيتك حتى إلى محكمة تفتيش، بدلا من عصابة إرهابية من المراهقين.. مقارنة بالنظام العسكري، كمشكلة سياسية، يبدو النظام الديني الكهنوتي مشكلة وجودية، تتوفر على مساوئ النظام العسكري ولا تتوفر على مزاياه، وتتجاوز الاستبداد السياسي إلى مختلف أشكال الاستبداد والقمع الشمولي، وعلى كل الجوانب والمستويات، دخولا في نفق طويل من الانحطاط والاندثار الشامل الذي طبع أوروبا في ظل الكنيسة، وأحال أفغانستان إلى مقبرة في ظل طالبان.. هذه أسوأ النماذج، وليست الأمور دائما بكل هذه الحدة والسوداوية، فمن الطبيعي أن تتفاوت الأنظمة العسكرية أو الدينية في تطبيقاتها سلبا وإيجابا، لكنها جميعا قائمة على استلاب الحرية، وتختلف في الدرجة وليس في النوع.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك