لا يعدو الحوثي وفق تقييمات سياسية وديمقراطية حديثة عن كونه شخصاً يسعى إلى اغتصاب السلطة بمسوغات دينية لا ترتضيها مواثيق حقوق الإنسان في العصر الحديث ولا يتقبّلها عقل قطع شوطاً لا بأس به في مسيرة التحرُّر من أوهام الحاكم المقدّس والعرق الأنقى والسلالة الأرقى, وأنا هنا أتحدث عن الحوثي كفرد قبل أن نتحوّل إلى قراءة مسار الجماعة ككل. يبدو أن الرجل قرأ التاريخ من زوايا متعدّدة مكّنته من تأمل مشروع الوصول إلى السلطة والسيطرة على الحكم بسلطة الدين النافذ في مجتمع مازالت الذهنية الدينية حاضرة في طريقة تفسيره للأشياء, وهو بذلك – الحوثي – درس تجارب من سبقوه في هذه الوسيلة أو الطريقة للسيطرة على الحكم؛ وليس ببعيد نموذج الإمام يحيى حميد الدين الذي ظلّ يحكم شطراً من اليمن بمبرّرات خرافية جعلت منه الحاكم بأمر الله والمقيم لشرعه, واستطاع بذلك تمديد فترة حكمه 30 سنة قبل أن يورّث الحكم من بعده لواحد من أبنائه الذي نهج ذات مسلك أبيه بتعزيز أوهام الحكم السلالي بكونه تشريعاً دينياً يلزم الجميع به ويجرّم بالخروج عن الدين والكفر كل من ينكر هذا الحق أو ينتقده. لكنه – الحوثي – قد أغفل قراءة وتأمّل مخرجات نماذج هذه الأنظمة “الإمام يحيى وابنه أحمد” وما ترتّب على حكمهم من ظهور حركة احتجاج رافضة ومعارضة لهذا الحكم ومبرّرات بقاء هذا الحاكم في السلطة وما نتج عنها من ثورة أزاحت هذه الأسرة عن الحكم وأبعدتها عن البلاد ككل, والتاريخ يعيد تصدير ذات النماذج عندما لا يكون هناك من يمتلك مشروعاً جديداً ومتجدداً يتجاوز فرضية إمكانية تطبيق ذات النموذج السابق, وهو ما يبدو أن الحوثي يسعى إليه متجاهلاً تخلُّف هذا المشروع عن زمنه الذي ظهر فيه واستحالة أن يمر هذا المشروع دون مقاومة ورفض قد تسقطه في أية مرحلة من مراحله المتقدّمة, ومثلما ظهرت تكوينات الحركة الوطنية في بداية أربعينيات القرن الماضي المناهضة لحكم الإمام يحيى ستظهر من جديد حركة وطنية رافضة ومقاومة لأي نظام حكم لا يعطي الإنسان حقه في المنافسة والوصول إلى السلطة كحق من حقوقه المدنية. وبرغم أن الحوثي يستغل تحوّلاً إقليمياً يتبنّاه نظام إيران ضمن تحالفه مع «حزب الله» في جنوبلبنان والنظام في سوريا؛ وهو يجعله يرسل إشارات إلى قادة هذا التحالف بقدرته على تشكيل جماعة تكون لديها القدرات العسكرية والقتالية في حال ما نشبت حروب تتجه المنطقة إليها, لكن يلاحظ أن الحوثي بدأ حروبه داخلياً لإخضاع كل المنافسين المحتملين لتوجهاته وطموحاته ليصنع له أعداء من الداخل قبل أن يتوسّع في عداءاته مع الخارج، وهذا مؤشر لفشل مشروع الحوثي وخلق مبرّرات استحالة أن يكون مشروعاً وطنياً جامعاً, وبالتالي موته قبل أن يكبر. إن ضمور وفشل أي مشروع أو فكرة يبدأ عادة من الداخل عندما لا يراعي القائد مصالح الأفراد, ويسعى بدلاً عن ذلك إلى تغليب مصالحه الفردية أو الجماعة أو التيار أو الحزب الذي ينتمي إليه, متجاهلاً ظهور فئة من الأفراد يشعرون بالغُبن والظلم ولا يهمهم عظمة المشروع بقدر ما يسعون إلى رفع هذا الظلم عنهم بأية وسيلة من الوسائل. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك