كان مناطاً بالفترة الانتقالية أن تنجز قدراً من المصالحة الوطنية في سياق العدالة الانتقالية المطلوبة لتجاوز تراكمات الصراع التاريخي, والانتقال بمختلف مكوّنات المجتمع إلى إطار من العيش المشترك والتسامح والسلام في نظام ديمقراطي وحكم رشيد. نقول كان مناطاً, لكن الفترة الانتقالية تودّعنا ونحن في حالة من التجاذبات بين مآسي الماضي وجديد الصراع المتسع مساحة ونوعاً, والمشحون بثقافة الكراهية وخطاب الإقصاء والعداء بين طوائف السياسة ومكوّنات المجتمع, ولا أكثر من أزمة دماج إيضاحاً لهذا الواقع المأزوم بتغييب المصالحة الوطنية, وغياب الإدارة السياسية الحريصة على المصالحة باعتبارها الركيزة التي تقوم عليها دولة عصرية تسمح بتحقيق السلم والتعايش بين مختلف أطراف المجتمع. من بين ما تستخلصه دراسة ميدانية تحليلية من استنتاجات حول «استخدام لغة العنف في وسائل الإعلام» نتيجة مفادها أن التحريض على الكراهية كانت أكثر القضايا اهتماماً وبروزاً في صحف حزبية, خضعت للبحث في الدراسة التي أجراها الدكتور محمد القعاري على أربع صحف حزبية في الفترة من 1-3 - 2013م إلى 31 -3- 2013م, كما كشفت نتائج الدراسة أن بروز التحريض على الكراهية والعنف والدعوة إلى الحرب في الصحف الحزبية هو مؤشر خطير على انزلاق الخطاب الإعلامي لأهم القوى السياسية إلى المساهمة في تأجيج الصراع بين فئات المجتمع وبالتالي تهديد الأمن والاستقرار. المثير للاهتمام أن هذه النتائج ظهرت في فترة دخول هذه القوى السياسية في مرحلة الحوار الوطني بعد توافقها على تسوية الأزمة سلمياً, ومشاركتها في حكومة وفاق, ومع ذلك فقد كشفت الدراسة أيضاً أن مسار البرهنة في طرح القضايا في تلك الصحف كان يعتمد وجهة النظر الواحدة, وهو ما يدلّل على تمسُّك كل طرف بوجهة نظره وتصميمه في فرضها على غيره, وهو مالا يتوافق مع القبول مع بالآخر واحترام الاختلاف, ولا يتوافق مع منهج الحوار وآلياته ومع ثقافة التسامح والتصالح. وما يكشفه الواقع أكثر مأساوية من نتائج الدراسة القيّمة, فهذا واقع مشحون بثقافة الكراهية وخطاب التحريض الجهوي والفئوي, في ملفات يفترض أنها موضوعة للحوار وخاضعة لآلياته في التوافق والتصالح, وفي المقدمة منها القضية الجنوبية, وقضية صعدة, فبدلاً من تجاوز تراكمات الماضي في هاتين القضيتين نضيف إليهما جديداً مشحوناً بلغة التخوين والتكفير والتعصُّب السياسي والمذهبي والتحريض على الكراهية والعنف والدعوة إلى الحرب والانقسام. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك