التهديد والوعيد وارتفاع حدة التصريحات واختيار كلمات أكثر دقة من قبل السياسيين ومختلف مستويات ومواقع المسئولين داخلياً وخارجياً ضد معرقلي الحوار الوطني كل ذلك يتحدث عن انسداد العملية السياسية المتمثلة بالتسوية «مؤتمر الحوار» يكاد يتجه بالبلاد الجاثمة في عنق الزجاجة نحو الاختناق، ووصل الأمر إلى درجة رفع نشاط الاختلالات الأمنية وأعمال العنف والتوتر ليس في المحافظات البعيدة وإنما في العاصمة صنعاء رمز السيادة ومكان انعقاد مؤتمر الحوار «التسوية السياسية» بتفخيخ وانفجار سيارة رئيس تحرير صحيفة «الهوية» الزميل محمد العماد في قلب العاصمة، ثم اغتيال الدكتور عبدالكريم جدبان عضو مجلس النواب عن صعدة وأحد أبرز القياديين بمكون «أنصار الله» في مؤتمر الحوار، وتسريب أخبار مثل ذلك الذي نقلته شبكة «اسكاي نيوز» مساء الجمعة عن مصدر أمني حول اطلاق نار على قافلة مبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر في صنعاء ولا إصابات، ثم نفي مكتب بن عمر ذلك سريعاً، إضافة إلى ما يحدث من اختلالات أمنية واغتيالات في أجزاء متعددة من اليمن. كل ذلك كان متوقعاً، بل وأكثر من ذلك بعد أن ارتفعت حرارة التصريحات وزيادة وتيرة تحركات المجتمعين الإقليمي والدولي النشطة سواء عبر ممثليهم في صنعاء بلقاء لجنة التوفيق في مؤتمر الحوار وحثها على سرعة التوافق حول القضايا العالقة والتسريع باختتام مؤتمر الحوار أو من خلال تصريحات ومقابلات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، وتحديده للمعرقلين وتوجيه رسائل قوية بصدور عقوبات من مجلس الأمن ضدهم، والتحرك الفوري القوي والمعلن للمجتمع الدولي، عبرت عنه كلمات وتصريحات المسئولين الدوليين الواضحة والمحددة والتي تطلق من بين حروفها أنياباً حادة مكشرة ضد معرقلي التسوية «مؤتمر الحوار» ومن ذلك ما قالته نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية «باربرا ليف» أمام لجنة استماع في الكونجرس الأمريكي: «لا يزال هناك معرقلون عازمين على التشويش أو عرقلة المرحلة الانتقالية سواء من النظام السابق أو الانتهازيين السياسيين الذين يطمحون إلى تعزيز مكانتهم مهما كانت التكلفة». وفي حديث المسئولة الأمريكية تغيرت الأولويات الأمريكية بالنسبة لليمن، فلم يعد الملف الأمني أولوية قصوى في الترتيب حيث أصبح الملف رقم (4) وتقدمت عليه (3) ملفات هي ملف المرحلة الانتقالية السياسية الذي أصبح الملف الأول وملف التنمية والإصلاحات الاقتصادية الثاني، وملف المساعدات الإنسانية الثالث، فيما حل ملف الشراكة الأمنية ومكافحة الإرهاب المرتبة الرابعة من حيث الاهتمام الأمريكي. ووصف المسئولة الأمريكية لمؤتمر الحوار «التسوية» بأنها «مميزة ولأول مرة في تاريخ اليمن» وكذلك وصفها للانتخابات الرئاسية التوافقية في فبراير 2012م بأنها «انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي كأول رئيس للبلاد منذ قرابة ثلاثة عقود»، يعكس الرغبة والإصرار الأمريكي والدولي على ضرورة استقرار اليمن وعدم السماح لها بالبقاء في مربع اللا دولة واللا نظام واللا استقرار وذلك بدا واضحاً في قول «بربارا ليف»: «ترتكز سياستنا على دعم الرئيس عبدربه منصور هادي، والشعب اليمني في ظل الجهود الرامية إلى تأسيس منظومة سياسية موحدة وشاملة تمثل كافة الأطياف خلال المرحلة الانتقالية الجارية» وكذلك تأكيدها أنها رأت بنفسها خلال زيارتها الأخيرة لصنعاء «التئام الشعب اليمني لدعم هذه العملية – تقصد العملية السياسية من خلال الحوار - إلى جانب أن الحوار حقق ما اعتبرته الأغلبية خطوة مستحيلة». الأهم هو دلالات حديث «بربارا ليف» عن توزيع مقاعد مؤتمر الحوار الوطني وتطرقها إلى تدشين مرحلة تالية من التحول الديمقراطي «توزعت مقاعد الحوار بالمناصفة بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية بهدف تجسيد حسن النوايا، وبناء جسور الثقة في أوساط الشارع الجنوبي الذي همش في الماضي من المجالات السياسية والعسكرية والفرص الاقتصادية على يد النظام السابق» وكذلك تأكيدها أنها لمست خلال زيارتها لصنعاء «تفاؤلاً من كافة الأطياف بوجود مسار مستقبلي للمضي قدماً، وحرصاً على معالجة كل القضايا السياسية العالقة في الوقت الراهن تمهيداً لتدشين المرحلة التالية من التحول الديمقراطي». والموقف الأمريكي والدولي عموماً حول التسوية السياسية والاختلافات العميقة المتعلقة بشكل الدولة، وهي العقدة التي تكاد تخنق التسوية وتدفع اليمن إلى الانزلاق نحو الحرب الأهلية ذلك الموقف عبرت عنه المسئولة الأمريكية بوضوح من خلال اختيار كلمتين هما «مبادئ وتفاصيل» الأولى الآن، ويختتم بعدها مؤتمر الحوار، والثانية فيما بعد مؤتمر الحوار – أي عقب تدشين المرحلة التالية من التحول الديمقراطي التي أشارت إليها في حديثها وما قالته «بربارا ليف»: «نحث الأطراف اليمنية على أن تصل إلى إجماع وتوافق مقبول حول مبادئ ومقومات هيكل وشكل الدولة القادمة لكي ينتهي الحوار ويبدأ البت في الخطوات الأخرى – بما في ذلك تعديل الدستور والاستفتاء عليه، وإجراء الانتخابات العامة – على أن تواصل الأطراف النقاش البناء حول تفاصيل هيكل وشكل الدولة في نفس الوقت». وأخيراً: لن يتمكن المعرقلون من تحقيق مآربهم فهم مكشوفون بالأسماء لدى المجتمع الدولي، واليمن تسير نحو إنشاء دولة وحل القضايا الرئيسية العالقة، وذلك يلقى دعماً وتأييداً إقليمياً ودولياً، فمهما خلط المعرقلون الأوراق ومارسوا التضليل، فالشعب اليمني يعرفهم وقد خبرهم كثيراً وبات المجتمع الدولي اليوم يعرفهم بالاسم ومستعد لاتخاذ عقوبات ضدهم لإيقافهم عن حدهم. رابط المقال على الفيس بوك