لا توجد أي دولة في تاريخ العالم السياسي المعاصر ألزمت نفسها تحمل المسئولية الأخلاقية والإنسانية تجاه دولة أخرى مثلما تحملت دولة الكويت مسئوليتها تجاه اليمن خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي . ولا يوجد أي شعب في تاريخ الأنظمة والشعوب استفاد من دولة أخرى مثلما استفاد الشعب اليمني من دولة الكويت . ونحن نتحدث عن طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين اليمنوالكويت خلال النصف الثاني من القرن الماضي سنجد أنفسنا أمام علاقة تتجاوز في حدودها مجرد المساعدات بل وتسمو على لغة الأرقام . إنها علاقة تتخذ طابع الحديث عن ما هو قيمي وإنساني ،بل ومن الضيم وعدم الإنصاف أن نصنف دور الكويت حيال اليمن بأنه كان مجرد تقديم مساعدات بين الحين والأخر . فالدور الحقيقي الذي لعبته دولة الكويت في دعم اليمن كان دوراً أخلاقياً وإنسانياً ،دوراً يربو على تسمية (تقديم الدعم الاقتصادي لليمن) . لأن دولة الكويت لم تكن تكتفي بتقديم مساعداتها المالية لليمن في مواسم معينة كما تفعل دول أخرى، بل إنها تحملت على عاتقها دعم قنوات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل مستمر ،هذا النوع من العطاء قلما نجد له نظيرا في تاريخ العلاقات السياسية بين الأنظمة والشعوب. وهنا نستطيع الجزم بالقول إن قيادة دولة الكويت بحنكتها السياسية وبفعل استشعارها بالمسئولية الإنسانية حيال اليمن ،استطاعت أن تسخر جزءاً كبيراً من عائداتها النفطية إلى قنوات نماء حقيقية تجري في كل شرايين الجسد اليمني بشطريه الشمالي والجنوبي آنذاك. وليس في اليمن وحدها ولكن تدفقت التنمية الكويتية في كل أرجاء الوطن العربي عموما واليمن على وجه الخصوص. ومما يزيدنا انبهاراً وإعجاباً بدولة الكويت أن عطائها لليمن لم يكن سخياً فحسب بل كان سخياً ومثمراً وهنا التميز الذي يحثنا على ذكر صانعيه ولو بأثر رجعي. فالكويت لم تكن تعطينا باليمين وتأخذ من بالشمال كما تفعل بعض الأنظمة، بل كان عطاؤها خالصا لله وللشعب اليمني، وكان عطاء مسخرا لتنمية الإنسان اليمني في مختلف مجالات حياته. ولعل العامل الذي اسهم في نجاح التنمية الكويتية في اليمن أن دولة الكويت لم تكن تعطي أموالها رشاوى للحكام في اليمن بهدف شراء مواقفهم السياسية مثلاً، ولم تضخ أموالها في تمويل مشاريع العبث الرسمي المعهود من قبل حكام صنعاء حينها . بل كانت تقدم مساعداتها بناء على استراتيجية خاصة بالتنمية الحقيقية وكانت الكويت وقتها تضخ أموالها في تمويل مشاريع إنمائية مستمرة ومتعلقة بحياة الإنسان اليمني في العمق المجتمعي ،مثل مجالات التعليم والصحة والشباب والرياضة وغيرها من المجالات ذات الصلة المباشرة بحياة الإنسان اليومية. لذلك بقيت المساعدات الكويتية حاضرة في حياة الإنسان اليمني ومنقوشة في ذاكرته . مع أن هناك دولاً كثيرة قدمت مساعدات لليمن لكن الإنسان اليمني لم يلمس أثرها في حياته . لهذا سنظل نتغنى بمواقف دولة الكويت ونحن إليها وسنلقن هذا الكلام لأطفالنا الصغار . ولا يستطيع أحد أن يتهمني بالمبالغة أو بالتزلف هنا لأني شخصيا ممن عمهم خير الكويت وللتنمية الكويتية اثر إيجابي على حياتي الخاصة. فأنا اذكر عندما كنت في السابعة من عمري أصبت بمرض في الجهاز التنفسي وخضعت للعلاج عشرة أيام في احد مستشفيات مدينة تعز وتلقيت خدمات طبية لا توجد حاليا في اضخم المستشفيات اليمنية ،وعندما تماثلت للشفاء أخبرني أبي أن القسم الذي تعالجت فيه تتحمل كافة نفقاته دولة الكويت ،وعندما التحقت بالمدرسة الابتدائية انضممت لفريق الموسيقى ،وكنت أتدرب مع زملائي على آلات موسيقية ربما لا توجد الآن مع فرق وزارة الثقافة وعرفت أن نفقات التعليم والتجهيز في تلك المدرسة كان على حساب دولة الكويت ،وعندما التحقت بالتعليم الجامعي في جامعة تعز القديمة استوقفتني عبارة مكتوبة عند مدخل الجامعة حينها مكتوب عليها “هدية الشعب الكويتي الشقيق”. ولم تقف التنمية الكويتية عند هذا الحد ،بل هناك مجالات أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا بالتفصيل . المهم في هذا الأمر والذي دفعني للكتابة بهذا الخصوص وفي هذا التوقيت اني اقترح على أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أن يقدموا اعتذارا تاريخيا للكويت باسم كل إنسان يمني ،عن ذالكم الموقف المخزي والمشين الذي اتخذه الرئيس السابق أثناء احتلال دولة الكويت عام1991م. حيث كان الأجدر بالرئيس الصالح حينها أن يعلن التعبئة العامة لنصرة الكويت هذا إذا كانت قيادة النظام السابق حينها تشعر بذرة انتماء للوطن أو إذا كانت تعبر عن مصالحه. لذلك نقترح على السادة المتحاورون أن يختتموا أعمال مؤتمرهم بالاعتذار التاريخي للكويت إسهاما منهم في تحسين صورة الهوية اليمنية التي شوهتها قيادة النظام السابق . ومن جانب آخر فإن الاعتذار سيرد الاعتبار لقيادة وشعب الكويت وسيبرهن على العرفان منا بالجميل ،كما أن الاعتذار سيرد اعتبار أخلاق الإنسان اليمني بصفته السياسية ....فهل أنتم فاعلون؟! رابط المقال على الفيس بوك