استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لرفع الحصار عن قطاع غزة    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    لجنة الدمج برئاسة الرهوي تستعرض نتائج أعمال اللجان الفنية القطاعية    إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام في الكويت
نشر في عدن الغد يوم 09 - 04 - 2013

بعد أكثر من أربعة عقود من الزمن وجدت قدماي تطأ أرض الكويت الحبيب . . مكثت أولا في حي " السالمية " ثم في " حولي " و لم تجد ذاكرتي صور تختزلها عنهما فكل شيء قد تغير تماما. و ذهبت إلى أحياء عديدة من مدينة الكويت التي صارت مجموعة مدن متلاصقة ، و بالذات إلى " الكويت القديمة " التي أصبحت منطقة لتجمع ناطحات السحاب الحديثة التي تشاهدها من جميع المناطق و المواقع . . ذهبت إلى " الشويخ " فلم يعد شويخا بل شيخا ضخما . . ذهبت أبحث عن حي " المرقاب " الذي مكثت فيه في قديم الزمان فلم أجده ، كل شيء تغير و أنت في كويت جديد . . لقد تضاعفت الشوارع و المباني العالية الحديثة ، قل مائة مرة أو خمسين ضعفا على أقل تقدير خلال الفترة الماضية . . و لا قرابة في ذلك فقد كان عدد سكان الكويت في عام 1975م. ما يقارب : 995 ألف نسمة . و بعد عشر سنوات صار : مليون و 697 ألف نسمة في عام 1985م. و أصبح عام 1995م. : مليون و 576 ألف نسمة . و في عام 2007م. بلغ حدود : 3 مليون و 400 ألف نسمة . و الآن تجاوز : 3 مليون و 600 ألف نسمة
و ليس الإنجاز الكويتي الحضاري في مواكبة الدولة للنمو الهائل في حجم السكان عمرانيا فحسب ، و إنما أيضا في التنظيم و النظام و القانون . . فالسكينة العامة و العيشة الهانئة تعم المجتمع . . و إن كنت عابرا ترى الشوارع الفسيحة النظيفة المليئة بالسيارات و القليلة المارة ، و إن تجولت في الأسواق التجارية القديمة المنظمة و الحديثة الضخمة التي تكتظ بالزبائن تجدها تخلو من الضجيج و الصخب . . و غيرها من المناظر التي تقول لك إن الكويت واحدة من مدن الحداثة الأسمنتية الناشطة بالحركة المتسمة في مختلف الجوانب و المظاهر بالنظام و الهدؤ و الاستقرار ، حتى أنك قلما ترى شرطيا أو جندي مرور .
الكويت كإنسان كسبت دائما حب العربي لها و حب الأجنبي لها باعتبارها حضن حنون دافئ لكل الذين عملوا و يعملون فيها من الدول الأخرى . و الكويت كإنسان كسبت كذلك حب اليمني لها منذ مئات السنين ، و بالذات في عهد نهضتها الجديد المعاصر الذي بدأ باستقلال الكويت عام : 1962م. و ذهاب الكثيرون منهم أليها للعيش و العمل هناك .. فالإنسان الكويتي بشكل عام أولا إنسان مثقف ، دمث الخلق ، متواضع . و هو بهذه الصفات المميزة كسب حب الناس : اليمنيون و العرب و الأجانب . إنه حب خاص مميز يصعب وصفه و يحس به من عاش بهذا البلد أو زاره كثيرا . و هو حب لا ينبع من طبيعة الكويت كمنطقة ساحلية أو كمدينة مجمع معماري حديث الطراز ، بل ينبع من طبيعة الإنسان الكويتي الحضارية و مجتمعه المشحون بالإنسانية و التواق بالفطرة إلى التحضر و التقدم . و هي صفات تتفاعل و تتمازج في سلوك و تعامل الكويتيين مع الآخرين . و في الكويت الآخرين لهم معاني متعددة و متنوعة من الثقافات و العادات و الأثنية و طبائع الإنسان المختلفة . . ليس بالبساطة أن تكسب حب الآخرين خاصة إذا كان هؤلاء يكونون ما نسبته : 3و 72 % من سكان البلاد في عام : 1985م. و : 4و 58 % في عام 1995م. و : 69 % في عام 2007م. و الآن نسبتهم تقارب : 65 % . و تسعى الحكومة الكويتية بترو و عقلانية لتوطين العمالة بعمالة كويتية و قد أقرت مؤخرا خطة للاستغناء عن مائة ألف عامل أجنبي كل عام .
إن هذه المؤشرات السكانية حال اعتيادي في المجتمعات الخليجية التي شهدت طفرات الاقتصاد النفطي الكبير الذي سبب إنفجارا ضخما في الطلب على الأيدي العاملة . و الكويت بلد صغير و قليل السكان تعامل بذكاء مع ثروة النفط و استفاد جيدا منها . و لقد أصبح متوسط ما تنتجه الكويت من النفط يصل إلى حدود : 4 ملايين برميل يوميا . و مؤشرات العمالة في العام الماضي تؤكد أن البلد قد أستكمل تثبيت دعائم و منطلقات النمو الاقتصادي المتقدم و قطع شوطا في تكويت العمالة ، فقد بلغ عدد القوى العاملة في الكويت : مليونان و 304 ألف عامل و عاملة يشكل الكويتيون : 40 % منهم . و الحاجة إلى العمالة الأجنبية يمليها حجم النشاط الاقتصادي حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الكويتي عام 2010م. بنسبة : 5و 2 % و في عام 2011م. بنسبة : 2و 8 % و في عام 2012م. بنسبة : 3و 6 % و بحيث وصل في العام الأخير إلى ما قيمته : 9و 165 بليون دولار . أي أن الكويت استقرت في مجموعة ما تسمى مجموعة الرفاهية الاقتصادية المتقدمة ، و هي مجموعة تضم دولا محدودة .
لقد لمست فطنة الكويتي الاقتصادية منذ أربعة عقود من الزمن ، و في هذه الزيارة وجدت الكويتيين عمليين بجدية ، هناك تحول إيجابي كبير في الموقف من العمل . . بيد أن فضولي لم يكن يتجه نحو الحياة الاقتصادية بل كان يتجه أكثر إلى رؤية بعض جوانب الحياة الاجتماعية . حيث تجد الكويتي هادئ الأعصاب ، متزن ، متحدث لبق ، ودود ، و مثقف . . و ما لفت نظري في هذه الزيارة أن الكويتيين ما زالوا شغوفين بمظاهر اجتماعية قديمة ، مثل تخييم الأسر و مجموعات الأصدقاء في البر - الصحراء لأيام للتنزه أو البحث عن الفطر ، و هو موسم بدأ الآن للتو . و لأن المدينة انتشرت مساحاتها في جميع الاتجاهات فقد أصبح التخييم على الأطراف مثل بر الصحاري القريبة من الحدود مع السعودية متعة . و بسبب من هذه الهواية القديمة التقليدية لم أتمكن من لقاء الأستاذ سعادة السفير منصور العواضي الذي كان هو و أسرته أيضا في البر . و هو شخصية راقية الصفات و عالية الثقافة و الوعي ، و أعتقد أنها مشهورة في صنعاء أكثر من شهرتها في الكويت لأنه عمل كقائم بأعمال سفارة الكويت في اليمن ( صنعاء ) لمدة طويلة ربما هي عشرة أعوام أثناء أزمة الكويت العصيبة و بعدها ، و كانت ديوانيته كل يوم أثنين في الأسبوع تضم خيرة المثقفين و المفكرين و السياسيين اليمنيين من مختلف الأطياف ، حتى أن هذه الديوانية صارت أشبه بالمنتدى أو المدرسة السياسية الناضجة التي لم توليها قيادة صنعاء السياسية أهمية آنذاك .
أيضا . و في وقت ما بعد العمل يقضي الناس في الكويت أوقاتهم في الديوانيات ( دواوين التجمع و اللقاءات ) التي اتسعت و تعددت و تنوعت و تنافست أجوائها و تخصصها ما بين مجالات الفن و الاجتماعيات و السياسة و الثقافة . و من المظاهر الجديدة الواسعة الانتشار شغف الشباب الكويتي بالرياضة . فإلى جانب انتشار الأندية الرياضية و الصحية لا يكاد يخلو فندق كبير ما من المسابح و الصالات الرياضية المتكاملة الممتلئة بالشباب ، و ككل عام بدأت الآن المهرجانات الصيفية بالكويت بحين يدنو فيه موسم الصيف . . و يهوى كثير من الكويتيين التنزه بالسيارات و المكوث في المطاعم و المقاهي المتنوعة الخدمات و التجول على الشواطئ التي أصبحت كورنيشات ، حتى إنني شخصيا لم أستطع أن أجلس على تراب الشاطئ أداعب حبيباته الناعمة كما كنت أفعل قبل أربعين عاما و نيف من الزمن ، و من سؤ الحظ أيضا إنني لم أتمكن من الدخول إلى أبراج الكويت الثلاثة المشهورة لأنها تحت الترميم حاليا ، و كنت قد غادرت الكويت في نهاية عام 1972م. و كانت حينها على وشك اكتمال البناء .
كانت مدة الدورة الاقتصادية التي سافرت من أجلها و المنعقدة في مركز صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط ( CEF ) الذي تموله الحكومة الكويتية خمسة أيام مكثفة العمل فأضفت بعدها ستة أيام علني أرى الأخوة و الأصدقاء اليمنيين في الكويت لأن المشاركين في الدورة لم يحضوا سوى بلقاء سعادة القائم بأعمال السفير اليمني بدولة الكويت الأخ د . محمد صالح البري الذي رعاهم باهتمامه منذ وصولهم و قد أدهشهم هذا السلوك لأن السفراء اليمنيين في كثير من الدول لا يأبهون و لا يسألون عن أحد . . المهم إنني قابلت خلال الستة أيام عدد من الأهل و الأخوان و الأصدقاء و معظمهم من حضرموت و يافع و عدن . . كانت اللقاءات مع هؤلاء ودودة و طيبة ، فاليمنيون أو ما تبقى منهم في الكويت يعيشون استقرارا عمليا و حياة معيشية عادية تخلو من المشاكل و المنقصات . و شملت أحاديث عامة معهم عن الكويت و اليمن . . كان ما استحوذت عليه السياسة من تلك الأحاديث ضئيل جدا لأنني كنت أجيب على السؤال المتكرر : هل سينجح مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن ؟ ب " إن شاء الله " موضحا بأن الجواب سابق لأوانه لأنني لم أطلع على آخر الوثائق لأن النظام الأساسي لمؤتمر الحوار الوطني و قوائم المشاركين فيه نشرت قبل يوم واحد من قدومي إلى الكويت ، لذا فأنا أعمى . . و الشأن الذي أخذ الحيز الأكبر من الأحاديث العابرة المشتتة هو ذكريات الجالية اليمنية في الكويت : كيف كانت قبل عام 1990م. و كيف أصبحت بعده ؟
هنا و عند الحديث عن الجالية اليمنية في الكويت التي كانت حتى عام 1990م. من أكبر الجاليات ( ما بين : 60 – 65 ألف نسمة ) ، سألت نفسي و لا أدري لماذا يطادرني الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ضجرا كلما خرجت من اليمن في زيارة لدولة أخرى . فقد كنت في مصر قبل عام و بضعة أشهر ( نوفمبر 2011 – يناير 2012م. ) و كنت هناك أتلقى وابل سؤال معين كل يوم ، هو : هل سيخرج " صالح " من اليمن ؟ موجه من سائق تاكسي ، أو صاحب محل ، أو صديق مصري ، أو يمني مقيم في القاهرة ، و غيرهم . و عندما عدت إلى اليمن و شكوت ملل هذا السؤال للأصدقاء سألني أحد الأخوة الوزراء الأذكياء : و أنت ، بماذا كنت تجيبهم أنت ؟ فأجبته : كنت أقول لهم " لا أعلم " . . و تلك فعلا كانت إجاباتي بصدق في " القاهرة " لأن هذا الرئيس السابق عجيب الأفعال و غريب الأطوار و خطير اللأعيب السياسية .
و هنا في الكويت لم يطاردني شبح الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأسئلة ملحة متكررة من الآخرين فهم لا يحبون ذكره . و لكن أحد الأخوة أخبرني بأن بعض مواقع الإنترنت الإلكترونية نشرت في أسبوع زيارتي الإضافي ذكريات للسيد جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية أثناء حرب الخليج الثانية عن تحرير الكويت حيث تحدث عن ما اسماه : " أغلى صوت في العالم " قاصدا تصويت مندوب اليمن في مجلس الأمن الدولي لصالح دولة صدام الغازي المحتل ، مشيرا ( السيد بيكر ) بأنه أتصل - حينها - بالرئيس علي عبدالله صالح و هدده بأن تصويت مندوب اليمن في مجلس الأمن على هذا النحو سيخسر اليمن : 250 مليون دولار هي مساعدات سنوية مقرة للجمهورية اليمنية فكان رد الرئيس حينها ( صالح ) بما يعني " و ماله . . عادي " . أنا لا أود هنا أن أزايد على رئيس سابق مخلوع ، بل أعبر عن شعور صادق انتابني و أنا أتجول وحيدا في شوارع و مقاهي " السالمية " و " حولي " ، و أنا ماكث في غرفة الفندق . ما الذي حدث يومها ؟ و أي جنون دفع لحدوثه ؟ كيف ترك في حدود : 45 ألف يمني الكويت و لم يتمكنوا من العودة أليها . . كانوا يعيشون هنا في هذه المدينة و يسيرون في هذه الشوارع و هم سعداء تتنفس صدورهم بهواء محبة الكويت المميز الذي أتنفسه الآن . . كانت تتناوب و تتعاقب مسرعة في مخيلتي وجوههم ، وجوه من عاش في هذه البلد عقد من الزمن ، و آخرون عقدين ، و أكثرهم عاشوا هنا ثلاثة عقود و ما يزيد ، و أغلبهم جاء طفلا إلى هنا و خرج كهلا ، و كثيرون ولدوا في الكويت . . و حتى كانت تتردد في مسامعي اللهجة الكويتية التي يتحدثها قسم من هؤلاء حتى اليوم . .

من السبب ؟ و ما السبب ؟ . كانت تجول في مخيلتي أيضا صور المستشفيات و المدارس و الطرق التي بناها الكويت الحبيب هنا و هناك في ربوع اليمن و كأنها تحدثني و تقول : هل نسانا ( الرئيس صالح ) عندما أتخذ قراراته المجنونة أم أنه كان يفضل أن تقدم قيمنا المالية نقودا لأشخاص نافذين في السلطة و زعماء متسلطين و وهميين و شيوخ قبائل و بلاطجة سياسيين ؟. . و فوق هذا الألم و ذاك كنت أتذكر حقائق عن علاقات إنسانية حميمة عميقة نشأت بين إنسان كويتيين و إنسان يمنيون فأصبحوا أسر و عائلات واحدة إلا أن تلك الأواصر القوية انقطعت في عامي 1990 – 1991م. و تكاد تتلاشى . فكم هو مؤلم أن نستعيد التفكير بهذه المسألة بمزيج من العواطف و الأحاسيس و المشاعر و الصور الإنسانية و الأخوية . . من السبب ؟ و ما السبب ؟ و من أخطأ ؟ : هل أخطأ الساسة القادة الذين لا يحسون بأحاسيس و عواطف أبناء شعبهم اليمني ؟ أم أخطأنا نحن لأننا دائما لا نعارض أخطاء القادة بما فيه الكفاية و نكتفي بالدفاع عن من نحب و ما نحب بالحفاظ على حبه جوف قلوبنا ، و هذا أضعف الأيمان ؟
" إفرح أنت في الكويت " جملة كنت أرددها في نفسي كلما جثم هذا الموضوع / الكابوس على أنفاسي . . " إفرح أنت في الكويت " حيث يتمنى عشرات الآلاف ممن عاشوا طويلا أو ولدوا في الكويت أن يكونوا و لو ليوم واحد هنا مثلك حتى يستنشقوا هواء محبة الكويت الذي لا يعرف مذاقه العذب إلا من ذاقه من قبل . . كن متفائلا و لا تكن عاشقا للنكد ، و لا تثير المواجع القديمة التي اندملت أقسام عديدة من جروحها . فهذه هي الحياة : يخطأ القادة السياسيون و تتحمل الشعوب تبعات أخطائهم الشنيعة ، و هم بلا شعور عندما يصابون بهوس جنون السلطة و يقولون : سيحل مرور الزمن ما أرتكبناه من أخطاء ؟ نحن كنا كآباء و الأب يضرب أبنه بقسوة ثم يقول له : ستكبر و ستنسى . و لما لا فحتى نحن أنفسنا نكبر وننسى ما صنعناه من كوارث و مصائب و مآسي للمواطنين الذين نحكمهم ؟
بعد تسعة أعوام من الجفاء عادت سفارة الجمهورية اليمنية للعمل في دولة الكويت ( 1999م. ) و فرح ما تبقى من يمنيين هناك تتراوح أعدادهم رسميا ما بين : 10 – 15 ألف نسمة . و تتراوح أعدادهم وفقا لمؤسسة أبحاث و دراسات هجرة في صنعاء ما بين : 18 – 25 ألف نسمة . . و على صعيد علاقات الدول عادت دولة الكويت تدريجيا تعبر عن حبها لليمن بشكل دعم مشاريع تنموية و تطويرية . و هناك حراك جيد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خاصة في العامين الأخيرين . و يزداد حاليا الدعم الأخوي السخي الذي يقدمه الشعب الكويتي للشعب اليمني ، فعلى سبيل المثال لا الحصر تم الأسبوع الماضي توقيع اتفاقية في صنعاء بتقديم الصندوق الكويتي للتنمية دعم لتقوية و توسيع شبكة الكهرباء في مدينة عدن بمبلغ : 35 مليون دولار . و في هذا الأسبوع وقع الصندوق الكويتي للتنمية ( KFAED ) إتفاقا مع وزارة التخطيط اليمنية لمنح تمويل بقيمة : 50 مليون دولار . لإعادة أعمار مناطق متضررة في اليمن من جراء أحداث أزمة عام 2011م.
هل ستشهد العلاقات اليمنية – الكويتية مرحلة نوعية جديدة بدلا من النمو التدريجي الجاري و ذلك بعد خروج الأخ علي عبدالله صالح من سدة الحكم ؟ سؤال صعب لعدة أسباب . بيد أن زيارة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى دولة الكويت في شهر ديسمبر الماضي ( 2012م. ) كانت ناجحة بكل المقاييس ، سواء من حيث برنامج الزيارة الحافل ، أو من ناحية مستوى الاستقبال الكويتي الرسمي الرفيع مقارنة ببعض زيارات فخامته لدول أخرى ، و كذا اللقاءات مع قادة الكويت جميعهم . أضف إلى ذلك أن الزيارة كانت معبرة بأن شارك فخامة الرئيس هادي سمو أمير البلاد الشيخ صباح الجابر الصباح في تدشين الصرح التذكاري للدستور الكويتي بمناسبة مرور خمسين عاما على صدوره حين أصدره سمو المرحوم الشيخ عبدالله سالم الصباح بتاريخ : 11 نوفمبر 1962م. و هذه مناسبة ستخلد في سجل التاريخ .
أود أن أعود إلى انطباعاتي العامة عن زيارتي القصيرة للكويت الحبيب . فأي شخص عندما يزور بلد ما يقارن بعض النواحي بين البلدين ، بلده و ذاك البلد ، و مع أن اختلاف الأوضاع و الخصائص شاسع بين كل من اليمن و الكويت فإن الاختلاف الأساسي الذي وجدته يتجسد في توجه مسارات اهتمامات المجتمع هنا و هناك . ففي الكويت توجه المجتمع ككل يتركز أساسا على الجانب الاقتصادي ، ثم الجانب الاجتماعي ، ثم الجانب السياسي ثالثا . و يحتل الجانب الثقافي أهمية في بقية الاهتمامات . بينما توجه اهتمامات المجتمع اليمني يتركز و بصورة كبيرة أولا على الجانب السياسي ، ثم الهاجس الأمني ، ثم الجانب الاقتصادي . و بقية الجوانب الأخرى موجودة و لكنها لا تلقى عناية كافية .
كانت المسائل الساخنة في الكويت – رسميا و شعبيا و إعلاميا - أثناء زيارتي و بحسب حجم السخونة ، هي : إسقاط الفوائد على القروض التي تقدمها الدولة للمواطنين بصدور قانون معالجة فوائد القروض . و الذي تبلغ تكلفته : 4 مليار دينار كويتي . و شمل ذلك رفع القروض الإسكانية إلى مائة ألف دينار و : 70 ألف دينار للمرأة . و رفع قروض الترميم إلى : 30 و 35 ألف دينار كويتي . كما أنه توجد مؤسسة عامة للرعاية السكنية تابعة للدولة تقدم مساكن جاهزة لفئات اجتماعية معينة . . و الموضوع الثاني كان مسائل التجنيس ، حيث أقر تجنيس مجموعات من فئة " البدون " ، و تجنيس أبناء الشهداء و أرامل الشهداء الذين قضوا نحبهم في حربي : 1967م . و 1973م. العربيتين . و منح امرأة الكويتي الأجنبية و أفراد فئة " البدون " الحق في تمثيل أنفسهم في المطالبة بالحصول على الجنسية . و الموضوع الثالث كان منح المرأة الكويتية حق علاوتي الأولاد و الاجتماعية و مساواتها مع الرجل في القروض الإسكانية و منح الإيجار . و المرأة الكويتية مرأة عاملة و تحقق تقدما مطردا في كافة الصعد يوما بعد يوم .
و بالطبع تشهد الكويت فعاليات كثيرة عربية و دولية و خليجية فهي تأوي عدد من مقرات و فروع المنظمات الدولية العالمية ، و فيها مجمع ضخم كمقر للمنظمات العربية . و عدد من المراكز العربية من أهمها المعهد العربي للتخطيط . و تبقى الشئون الخليجية هي الأهم حيث عقد هذه الأيام " المؤتمر الدولي لمجلس التعاون الخليجي بين الفيدرالية و الكونفيدرالية " في مدينة الكويت . . و حقيقة ، إنني أثناء زيارتي القصيرة للكويت لم ألمس حماسة عن المواضيع السياسية كما كان متوقعا بسبب من أن الأعلام عادة في اليمن و غيره من البلدان العربية يصور لنا الكويت في السنوات الأخيرة و كأنها تعاني من أزمة سياسية ، و ربما كان هذا نتيجة تسليط أضواء الأعلام على الخلافات المتكررة بين الحكومة و مجلس الأمة الكويتي و التي أدت إلى استقالة الحكومة ست مرات منذ عام : 2006م. و حل البرلمان ست مرات أيضا خلال هذه المدة . لكن عندما تكون داخل الكويت فإن هذه المسألة تحتل مرتبة متأخرة في اهتمامات الناس و مشاغلهم . و لا تعلم من تأثير التيارات السياسية المعارضة التي تمثل وقود الخلافات المذكورة سوى ما يدور في مجلس الأمة و في الصحافة و يقال أن نقاشات الدواوين السياسية تتناول مثل هذه الأمور .
و عموما . الحياة السياسية في المجتمع الكويتي مستقرة و مساراتها إيجابية جدا حتى عند حدوث الخلافات السابقة الذكر بين الحكومات و مجلس الأمة . و هو استقرار يلمسه من يزور الكويت حيث يجده بلدا يعرف ما يريد و شعب يدرك الأهداف التي يصبو أليها و يعمل من أجلها . و التي يمكن تلخيص مضامينها العامة الايجابية بمبدأ " رفاهية الشعب أولا " . و قد عبرت كلمات قالها النائب أحمد العليفي في جلسة مجلس الأمة الكويتية بتاريخ : 19 مارس 2013م. عن التزام حتى المعارضة بهذا المبدأ : " أي حكومة تعجز عن تحقيق الرفاهية للمواطنين عليها الرحيل لأنها منتهية الصلاحية " . . إن هدف الكويتيين الذين يجمعون عليه جميعا ، أميرا و حكومة و مجلس أمة و شعبا ، هو " رفاهية الشعب الكويتي " و لا توجد خلافات سياسية من أجل السياسة فقط أو اتجاهات للبحث و السعي عن رفاهية لفئات و شرائح معينة دون غيرها كما هو حاصل عندنا في اليمن . . و إننا نتمنى للشعب الكويتي التوفيق و النجاح في العمل و السعي لتواصل تحقيق هدفه النبيل هذا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.