اتخذت اللجنة الأمنية العليا قراراً نص على حظر حركة الدراجات النارية في أمانة العاصمة ابتداءً من أول ديسمبر وحتى الخامس عشر منه..، والدافع وراء اتخاذ هذا القرار تنامي الجرائم التي تُستخدم الدراجات النارية لتنفيذها.. اللجنة الأمنية العليا بدت من خلال هذا الإجراء وكأنها تعالج مشكلة بمشكلة أخرى..، إذ من غير المنطق منع عمل الدراجات النارية لأنها تعد مصدر رزق لكثير من الأسر بعد أن أوقفت حكومة الوفاق توظيف الشباب واقتصر التوظيف على الحزبيين والمقربين من طرف بعينه!.. كان الأولى باللجنة الأمنية العليا أن تضع الضوابط اللازمة لعمل الدراجات النارية وإلزام سائقيها التقيد بقوانين المرور ومحاسبة المخالفين ..أما اتخاذ قرار أو إجراء لفترة محدودة فذلك لامعنى له، حيث وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد انقضاء الفترة المحددة!.. كما أن الجرائم التي تنفذ بواسطة الدراجات النارية يمكن تنفيذها بوسائل أخرى بما فيها السيارات، ولذلك لا يعني أن منع الدراجات النارية يعد منعاً للجرائم،فتشديد الإجراءات الأمنية ومنع حمل السلاح والتعامل بحزم ضد المخلين بالنظام والقانون هي الكفيلة بالحد من تلك الجرائم.. في اعتقادي أن مثل هذا الإجراء يعد هروباً من تحمل المسئولية ،كما يكشف عن عجز واضح في مواجهة المشكلة الأساسية المتمثلة بالانفلات الأمني..، وهي المشكلة الرئيسية التي تعاني منها اليمن وإن حاول البعض من المسئولين إنكارها وعدم الاعتراف بوجودها.. لا يمكن حل أي مشكلة مالم نعترف بوجودها ونبحث عن أسبابها ودوافع بقائها..، واتخاذ أي حلول لابد وأن تكون مرتبطة بالمشكلة نفسها.. أما الذهاب صوب وضع المعالجات غير المدروسة فذلك في اعتقادي غباء وسيتسبب بتعزيز حالة اللا أمن في المجتمع ،كما سيؤدي إلى خلق مشكلات إضافية نحن في غنى عنها.. إن أي قرار أو إجراء ينبغي أن تسبق اتخاذه دراسات تنطلق من الواقع نفسه.. لا أن تكون تلك القرارات أو الإجراءات وقتية ومزاجية..، كما أن مثل هذه الإجراءات لا يمكن أن تشمل منطقة بذاتها ويتم ترك بقية المناطق أو الأمكنة الأخرى للفوضى وكأن من اتخذ القرار لا تعنيه تلك المناطق لا من قريب ولا بعيد أو أنها خارج نطاق اختصاصاته.. إن مشكلة الدراجات النارية إذا ما اعتبرناها مشكلة في حد ذاتها فيجب أن تعالج بشكل كامل وشامل كون الدراجات النارية لا توجد في أمانة العاصمة وحسب بل موجودة في كل أنحاء الجمهورية.. أكثر من 146 عملية اغتيال تم تنفيذها بواسطة الدراجات النارية ولم يتم ضبط ولو حتى دراجة واحدة ، وهذه العمليات لم يتم تنفيذها في أمانة العاصمة وحدها وإنما في مدن رئيسية أخرى مثل تعز والمكلا وعدن.. وهذا يؤكد أن المشكلة ليست في وجود الدراجات النارية فقط وإنما في تقصير الأجهزة الأمنية وعجزها عن القيام بواجباتها في حفظ الأمن والاستقرار ومتابعة الجناة وضبطهم!.. المشكلة أمنية بالدرجة الأولى والحديث عن إيقاف عمل الدراجات وحركتها في وقت معين هو تنصل عن تحمل المسئولية، والدليل على ذلك ما قاله وزير الداخلية أثناء استجوابه في البرلمان حين أصر على أن الأمن مستتب والأمن في أحسن أحواله.. وهذا بحد ذاته يعتبر هروباً وعزوفاً من مواجهة المشكلة الحقيقية والتستر على مرتكبي هذه الجرائم وإن كانت الدراجات النارية هي الوسيلة المستخدمة من قبل الجناة لتنفيذ جرائمهم.. وفي كل الأحوال فإننا نطالب بضبط الجناة حفاظاً على دماء اليمنيين وأمنهم واستقرارهم ولا نطالب أبداً بمنع عمل الدراجات وحرمان آلاف الأسر من مصدر رزقهم ،لأننا ندرك حتى وإن تم حظر الدراجات النارية بأن الجرائم التي تستهدف القيادات الأمنية والعسكرية والمدنية ستستمر ولن تتوقف، مادام الجناة ومن يقف وراءهم طلقاء وبعيدين عن يد العدالة.. ينبغي أن يتم اتخاذ الإجراءات والحلول لمعالجة المشكلة برمتها بما يعزز الأمن والاستقرار المجتمعي، أما النظر إلى المشكلة بسطحية ومن زاوية واحدة فذلك في اعتقادي يفاقم منها ولا يسهم في حلها.. ولهذا على اللجنة الأمنية العليا أن تكون جادة في معالجة المشكلات وتنظر إليها من كافة جوانبها إذا أرادت فعلاً أن تضع حداً لهذا التدهور الأمني المستمر. رابط المقال على الفيس بوك