في العصر الجاهلي كانت للعرب أصنامهم وأوثانهم التي يعبدونها من دون الله ولما جاء الإسلام قاوموا بشدة دعوته إلى عبادة الإله الواحد ولم تستطع عقولهم الضيقة أن تستوعب أن هنالك بعثاً بعد الموت وحياة بعد هذه الحياة فيها الحساب والثواب والعقاب؟، وقالوا: “ ماهي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر”. وقالوا: أئذا كنا عظاماً ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقاً جديدا” وكانت لهم أدواء وأمراض متأصلة فكان شرب الخمر عندهم شديد الرسوخ فيهم، وكان القمار من مفاخر الحياة الجاهلية وكانوا يتعاطون الربا شأنهم في ذلك شأن اليهود ولم يكن الزنا مستنكراً أو مستهجناً إلا من الصلحاء والمستنيرين وكان النور الضعيف الذي يتراءى في هذا الظلام المطبق من بعض الأديرة والكنائس أشبه “بالحباحب”- وهي ذباب ذات ألوان يطير في لليل في ذنبه شعاع كالسراج فماذا يستطيع “الحباحب” أن يضيء في ليال شديدة الظلام ولما بزغ فجر الإسلام، قامت قيامة الجاهلية لتدافع عن تراثها دفاعاً ضارياً وقاتلت في سبيل الاحتفاظ بجاهليتها قتال المستميت، وجاءت بحدها وحديدها:«وأنطلق الملأ منهم أن أمشوا ,اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد» مكث رسول الله ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الله وحده والإيمان برسالته لا يلين ولا يستكين ولا يحابي ولا يداهن، وقامت قريش وصاحوا به من كل جانب، ورموه عن قوس واحدة. أخذ صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه ويغذي أرواحهم بالقرآن ويربي أنفسهم بالإيمان وكانوا يزدادون كل يوم سمو روح ونقاء قلب ونظافة خلق وتحررا من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ..رباهم على الصبر على الأذى وقهر النفس وعلى العفو والصفح الجميل. القرآن هو القرآن نفسه الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا وثلث قرن، لم يزد ولم ينقص حرفاً واحداً ولم تتوقف تلاوة القرآن في البلاد الإسلامية يوماً واحداً ولا حتى ساعة واحدة من ليل أو نهار، فيالها من عظمة! كيف استطاع المسلمون المحافظة على القرآن كما أنزل حرفاً ونطقاً وتجويداً وكتاباً وتفسيراً وشرحاً، و ياللخيبة كيف سمحت عقولنا وقلوبنا وضمائرنا أن نضيع كتاب الله حدوداً ونتمسك به حروفاً ومن المفارقات العجيبة في تعاملنا مع كتاب الله أن الذين يختمون المصحف يقرؤون هذا الدعاء:«اللهم أجعلنا ممن يقيم حدوده ولا تجعلنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده» وفهل نحن ببغاوات نردد القول فقط دون أن يرتقي فهمنا إلى مستوى تطبيقه في حياتنا؟! ألا يوجد واحد فقط في كل مجموعة من هذه المجاميع التي أخذت على عاتقها ممارسة القتل ونشر الرعب وإظهار الفساد في الأرض حتى يقول لمجموعته “توقفوا” ألا يوجد في هذه المجموعات واحد فقط يصرخ في وجه مجموعته ليقول لهم: ما تقومون به هو أشد أنواع الظلم قسوة وجورا ألا يوجد في كل مجموعة واحد فقط يقول لمجموعته إن ما تفعلونه هو الحرام المطلق فنبينا صلى الله عليه وسلم نهى أن يروع “عصفور” أو تحبس “قطة” وأنتم تروعون الآمنين في دورهم وتزرعون الخوف في البادية والحضر وفي الطرقات والأسواق ألا يوجد في كل مجموعة من هذه المجموعات التي ابتدعت الضلال وجعلته لها سنة واحد فقط يقول لهم: إلى أين تسيرون باليمن؟ وهل يساوي المال الذي ترجونه والسلطة التي تطمحون إليها والملك الذي تنشدونه أن تقتلوا «المعاهدين» من الأطباء والممرضات والممرضين وأن تشوهوا اليمن وتقضوا على سمعتها وتضاعفوا فقرها وبؤسها؟ ألا يوجد واحد فقط في اليمن يرشد هؤلاء الضالين إلى صراط الله المستقيم ويوضح لهم أنهم قد اتخذوا غير الله آلهة أخرى وهم لا يشعرون، فهم يعبدون المال ويعبدون السلطة ويعبدون أهواءهم وشهواتهم، ألا يوجد من يقول لهم: إنكم تشركون مع الله آلهة أخرى وإن الشرك لظلم عظيم. يقولون: هذا كله يحدث بسبب غياب الأمن وضعف هيبة الدولة ونحن نعلم أن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن كما قال الأولون، ولكن مع ذلك فإننا نقول: الله المستعان. فجوهر القضية ليس في هذا، هناك خصومات تحدث في الأسواق وهناك مناوشات وتحايل في مسائل البيع والشراء واشتباكات بالأيدي وتناطح بالرؤوس فيأتي الأمن ليضع حداً لهذه القضايا التي تحصل في معظمها بصورة عفوية وهناك قضايا كثيرة مشابهة لهذه المسائل يوكل أمرها إلى رجال الأمن الذين يوضع بهم أو يوكل إليهم مسئولية حفظ أمن البلاد ولا يعني هذا بأي حال أن عليهم ماعدا هذه المسائل أن يذهبوا بعيداً ويتواروا خلف أسوار دوائر الأمن أو الشوارع الخلفية أو يغمضوا عيونهم عن الأحداث الصعبة، بل عليهم واجب الظهور وإثبات الجدارة عند المواقف كلها ما سهل منها وما صعب وعليهم أن يحصلوا مقابل ذلك على التدريب الكافي وتوفير كل أسباب التشجيع والحماية لهم لكننا نعود مرة أخرى ونقول: الله المستعان! هبكم أن ضاع الأمن ولم يبق حارس واحد في البلاد فهل يستتبع هذا ضياع النخوة والمروءة والشرف من سلوك اليمنيين أفراداً وجماعات هل يعني غياب الأمن أن يظهر اليمانيون بمظهر السباع والحيوانات الضارية؟ هبكم ضاع الأمن فهل هذا مبرر كاف أن تضيع الأخلاق وتضيع المبادئ والقيم؟ هبكم ضاع الأمن، فأين حق الدين وأين حق الوطن وأين حق وشائج اللحمة لأبناء الوطن الواحد؟ ليس مهم أن يأتي الخاطفون لمحمد منير من محافظة مأرب أو كانوا من محافظة تعز أو غيرهما فالوصمة لليمن هي وصمة عار وخزي وذل لليمن بحالها. الذين خطفوا محمد منير وغيره من شباب اليمن إذا لم يصححوا خطأهم بصورة عاجلة قبل فوات الأوان لن يكون بوسعهم أن يهنأوا بعيش حتى لو حصلوا على المال الذي يعبدونه من دون الله، فسوف يكون المال الحرام وبالاً عليهم وعلى أبنائهم من بعدهم وعلى آبائهم وأمهاتهم وعشيرتهم فيكونون بذلك قد خسروا دنياهم وآخرتهم فأي حياة لإنسان تنكر لوطنه وأغضب ربه وأهان أسرته وفي مقدمتهم والداه. ألا ترى معي أنه في العصر الجاهلي الأول كانت للعرب أصنامهم وأوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ولما جاء الإسلام قاوموا بشدة دعوته إلى عبادة الإله الواحد لكن كانت لهم أخلاق وأعراف عريقة لا يتخلون عنها! وفي عصرنا هذا فقد أشرك بعض الناس مع الله آلهة أخرى يعبدونها ويقدسونها دون الله ممثلة بالمال والسلطة وأهواء النفس فشتان بين مجالس السوء التي تعقد هذه الأيام في مجالس تحاك فيها المؤامرات والدسائس وتوضع فيها الخطط للاختطاف والعبث والقتل والتدمير استجابة لدعوات الشيطان وصرخات إبليس في نفوس خربة وعقول ضالة وبين مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن جاء بعدهم من أهل التقوى والصلاح، حيث كانت تلك المجالس تزيد الناس رسوخاً في الدين وعزوفاً عن الشهوات وأطماع الدنيا كانت تزيدهم تفانياً وحرصاً على العلم ومحاسبة للنفس، فكان لابد أن ينتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفهم في كل معركة، فلم يبق للشيطان حظاً في نفوسهم فصاروا لا تجزعهم مصيبة ولا تبطرهم نعمة ولا يشغلهم فقر ولا يطغيهم غنى ولا تلهيهم تجارة ولا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا حصل هذا كله، بعد أن كانت الديانة سطحية في حياتهم أيام جاهليتهم ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم ...فهل تجدون اليوم فيمن يمارسون العبث بكل أنواعه وأشكاله ودرجاته يمثلون ثقافة الإسلام ويقتفون أثر السلف؟ لكننا نقول رغم هذا كله، رغم جاهلية العصر وما فيها من صقيع وما تحمل من آلام وأحزان سينتهي الشتاء ويأتي الربيع وتزهر الأرض وتورق الشجار وتعود الحياة بإذن الله “ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”. رابط المقال على الفيس بوك