لأننا نعيش في بيئة تدير حياتها بطريقة بدائية تؤثر علينا أكثر من أي شيء آخر يحررنا، سيكون طبيعيا قراءة خطاب “انتقامي” ممن يفترض بهم تجاوز تلك البيئة بخطابها. يدار الخطاب في ظل قناعة: سألقنك درساً يمنعك حتى من التفكير بالاقتراب مني وتوجيه النقد. لغة استعلائية تصنف خصمها، وهي ذاتها التي يزعم الضحية أنها توجه إليه. أمر مسيء يتكرر حدوثه، دون أن يعرف المسيء أننا بدون الآخر ونظرته لا نستطيع التعرَّف على أنفسنا، و كبحها من التوحَّش أو منعها من ادعاء الفضيلة وامتلاك الحقيقة التي لطالما أنكرنا ذلك على من يدعيهما. أفكر في كيف أن اليمن بتاريخه المشبع بالحروب وويلاتها، لا يدفع الصحافة اليمنية لتتبع آثارها والمعاناة التي تخلفها في المناطق المشتعلة؟ ما الذي يجعل المتحاربين يقتنعون بقدسية أفعالهم رغم كونهم يقتلون إخوة يمنيين لا غزاة؟ هل يقبل أهالي الضحايا ممن يخوضون المعارك بما يفعل أقاربهم؟ ألا يتعب المقاتلون في الجبهات المتعددة من الحروب؟ ربما يصنع ذلك رأيا مؤثراً يصب في صالح رفض واسع يسهم في إنهاء الاقتتال الداخلي. حياد الصحافة يوحي بأن تناولاتها تضفي على الحروب شرعية وتقدم أمراءها كأبطال يقومون بما هو صحيح. حديثنا عن طريقة للعيش لا يعني واحديتها، أما ما نضمنه في تعدد الطرق هو نقاط الالتقاء في نزوعنا للبحث عن الأفضل. حيرتنا من تقديم ضمانات يفهمها الآخر منطقية، ومن غير المنطقي أن يطلب منا تقمص الآخر أو العيش بطريقته وتفكيره. الحياة ليست حقائق كاملة ومحدودة، إنما محاولة -لا تكون بالضرورة ناجحة دائما- للتعايش بين تناقضاتها واختلافاتها. هناك جهات حكومية تتآمر على حبنا، حين يقل بما يغذي الروح، كالحدائق، والمقاهي المزيَّنة، والمسارح، والسينما، ومهرجانات الصيف، الشوارع والمدن محشورة والحب يختنق بين الحواجز والعيون الفضولية. يتمشى الموت في الشوارع التي مررنا بها للتو، في المباني المجاورة. يتطلع اليمنيون يوميا لفزع مسلسل الكهرباء والموت المجاني والحروب وفشل السياسة. أكثر ما يقلقهم الهدوء الذي يتخلل الأيام القليلة والساعة بين موت وموت لا يصدقون غيره. رابط المقال على الفيس بوك