هل يدرك المتحاورون في هذه الآونة أن كل يوم آمن في (موفنبيك) يعادله يوم دامٍ في خارجه؟ وأنه حين يلفظ متحاورٌ لبق جملةً من الحديث المكرور؛ تنطلق في الوقت نفسه رصاصة تلفظها فوهة بندقية لتستقر في جسد إنسان يمني وترديه قتيلاً؟ إن من يرتكبون أعمال القتل والفوضى وإشعال الحروب اليوم إنما يجعلوننا ندفع ثمن دخولنا في حوار وطني يسعى إلى بناء يمن جديد, وعلى هذا ينبغي أن ندرك أن المخططات العدوانية ستظل تتغذى على تراخي القوى المتحاورة عن حسم الخلاف والاتفاق على حلول نضمن بها تقوية الدولة اليمنية أمام المؤامرات التي يحيكها الأعداء في الداخل والخارج. اليوم يبدو كأن قضايا الحوار الوطني التسع المعروفة تحاول قضية عاشرة أن تنضاف إليها اليوم, وهي قضية (البحث عن نهاية وبيان ختامي لمؤتمر الحوار) بيان يرتضيه الجميع ولا تعود أي قوة من القوى الموقعة عليه إلى مربع التناحر والصراع من جديد.. هذا إلى جانب قضية (ضمان تنفيذ مخرجات الحوار) التي ربما أن المتحاورين لايزالون يختزنون لها كلامًا وآراء تجعل الوصول إلى النتائج جهدًا شاقًا, بل إنني لا أستبعد إن توسعت دائرة الحرب في دماج – لا سمح الله - أن يصبح موضوع (إيقاف الحرب بين الحوثيين والسلفيين في دماج) قضية ذات بعد مستقل لن يجد مؤتمر الحوار بدًا من إدراجها في جدول أعماله, لاسيما أننا نعيش أسابيع من الفشل التام في وقف إطلاق النار ..وفي رأيي أن هذه الحرب تنذر بخطر داهم إذا لم يمارس المتحاورون اليوم سلطتهم الوطنية على أطراف النزاع, بما يضمن إجبار الباغي على التراجع والاحتكام إلى صوت العقل. ليس من الصواب أن نرى هذه الحرب حدثًا معزولاً لا يمكن أن يؤثر على عملية التسوية السياسية واستكمال إنجاز استحقاقات المبادرة الخليجية, فاستمرار هذه الحرب واستمرار الاستقطاب السياسي والاجتماعي والديني حولها يعني بالضرورة عودتنا خطوةً خطوة إلى أزمة 2011م وإن اختلف الشكل, واعلموا أن من أشعلها يهدف في الأساس إلى نسف التسوية بين جميع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية, وبالتالي بقاء الوضع المأزوم على ما هو عليه. كل هذا ولا يزال الجميع بانتظار النتائج النهائية للحوار التي يربطون تحسن الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي بها, وعليه فإن بقاء الوطن في (المنزلة بين المنزلتين) معناه أن يظل كل شيء في البلد جاريًا على طريقة (تسيير أعمال), وليس على طريقة رسم الاستراتيجيات والانطلاق الجاد نحو تحقيق الأهداف الأمنية والتنموية, كما أن السياسيين غارقون في المناكفات وعدم الجدية؛ لأنها في رأيهم لا تعدو أن تكون مرحلة انتقالية, بل لقد صرنا مع هذا التطويل نرى بعض وسائل الإعلام قد بدأت في التأسيس والترويج لخلاف بين أعضاء الحكومة الذين تعودنا أن نرى التوافق يتجسد في مجلسهم على أبهى صورة. ومع كل ما يحدث اليوم ألا يحق لنا أن نقول: إن الوفاق السياسي الحاصل في خطر.. وأن غض الطرف عن الحرب في دماج, والتساهل في حسم القضايا الخلافية بين المتحاورين وعدم أخذ (عامل الوقت) في الاهتمام قد يهدد بانفراط عقد التسوية التي جاءت بها المبادرة الخليجية, لاسيما أن بعض الأحداث الدامية تأتي لتغذي الأحقاد والمهاترات بين الأطراف, كما أن مؤسستنا العسكرية والأمنية لاتزال في طور تحرير الولاء العسكري من الأشخاص إلى الولاء للوطن والأهداف الوطنية؟. على السياسيين أن يتذكروا أن المبادرة الخليجية وثيقة مرحلية وليست دستورًا دائمًا, وهذا معناه ضرورة حماية هذه المبادرة من أن تتخطفها سهام التناحر والمناكفات الإعلامية والمواجهات الدامية حتى تقضي عليها وتعود الأزمة للاشتعال من جديد لا سمح الله, كما هو الأمر مع وثيقة العهد والاتفاق التي أعقبتها حرب صيف 94م. أقصد بذلك أهمية أن نعي ضرورة التطور من مرحلة المبادرة الخليجية إلى مرحلة تقودنا فيها أيضًا نتائج الحوار, فالمبادرة الخليجية أدت ما عليها وقدمت لليمنيين الشيء الكثير, لكن ينبغي أن يكلل نجاحها بتسليم الراية لجملة من المقررات التي تؤسس لمرحلة جديدة ومن ثم تشكيل عقد اجتماعي جديد يقره الشعب, وبالتالي تهدأ الرياح وتكف سفينة الوطن عن الاضطراب. وأختم بالقول: إن أحداث القتل والفوضى اليوم لا بد أن تشكل معطيات لقراءة موضوعية لكيفية شكل الدولة المنتظرة التي لا يزال الخلاف حولها على أشده.. فالمتحاورون أمام مسؤولية التعمق في تشخيص الواقع بموضوعية ليصلوا إلى إقرار الصيغة السياسية للدولة المستقبلية التي تستطيع أن تحمي اليمنيين وتضمن سلامة أرواحهم قبل كل شيء. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك