التفكير بالمسؤولية الجمعية هو من قاد آل هائل إلى رفض مقايضة نجلهم بأموال تُدفع لخاطفيه، مقابل الافراج عنه. تقدّموا برد واضح لا يقف على أرضية رمادية، بل ينطلق من أرضٍ بيضاء وصلبة، قالوا: لا نرضخ للابتزاز، ولن ندفع ريالاً واحداً، وإذا قتلتم محمداً سنحتسبه عند الله شهيداً، وسنلاحقكم بكل وسيلة مشروعة حتى نقتص منكم”... تنوّعت وسائل الاتصال بآل هائل، جعلوا نجلهم يحدّثهم حتى يستدر عاطفتهم ويخرجوا أموال الفدية، وتكرّر الرد المسؤول: لن ندفع، ولن نرضخ..!!. ما لفتني في بيان آل هائل سعيد هو التفكير بالمسؤولية الجمعية تجاه الوطن والناس، وليس الوقوف عند حادثة اختطاف محمد، فهذه أسرة لا تنظر إلى نفسها، ولا تعتقد أنها رأس الأمر وذروة سنامه، بل امتد بصرها واتسعت بصيرتها الحكيمة، وقالوا: “لن نسن سنّةً سيئةً لمن بعدنا”.. فهم يدركون أن طابور النهابة والمبتزين لا يقف عند حد، ودفع الفدية سيشجع الخاطفين على جعل رجال الأعمال وأولادهم في صدارة اهتماماتهم الدنيئة، وسيدفع هذا السلوك رأس المال الوطني إلى الهجرة، فضلاً عن هروب رأس المال الأجنبي، ثم إن أسرة آل هائل كبيرة ومنتشرة في كل اليمن، وهذا سيجعلهم إما عرضة للاختطافات أو يتقمصون سلوك المشائخ، ويتحرّكون وسط حراسات ومرافقين. شخصياً لم أقرأ أو أسمع عن اختطافات في عهد الرئيس الحمدي رحمه الله، وكل ما أعرفه أنه جعل المشائخ يتمنّون رؤية صنعاء، وهم يحملون سلاحهم الشخصي، فقد أوصلهم إلى ثقافة حفظت هيبة الدولة، وأقنعت المواطن العادي أن العار مرتبط بحمل السلاح. هكذا.. الأحداث الجسام تستدعي المواقف الحازمة، ولا مجال فيها للمساومة أو الأخذ بنصف الحلول، ولابد من موقف يحسم الأمر دون مواربة، وأعتقد أن آل هائل سعيد قدّموا نموذجاً مسؤولاً ومتميزاً، في محنتهم الكبيرة، المتمثلة باختطاف نجلهم الشاب محمد منير أحمد هائل من قبل مرتزقة أساءوا إلى قبيلة مراد المأربية، أرادوا مقايضته بأموال باهظة. وموقف مسؤول آخر، تحرّك هناك في الصحراء، قادته قبائل مراد، حفاظاً على سمعتهم ومكانتهم القيمة بين قبائل وأهل اليمن، وحاصروا الخاطفين في “آل القحيطة” ورفضوا الرضوخ لابتزازهم، حتى سلّموا المختطف عن يدٍ وهم صاغرون، وحَمَلَ المشائخ الشاب المختطف وتقدّموا به نحو أهله بصنعاء في موكب مأربي تقدّمه المحافظ عرادة، والشيخان القاضي والأجدع، وقرابة 200 مسلّح.. ومع أني شديد الكره أن يدخل المسلّحون عاصمتنا المستباحة؛ إلا أنني رأيت في الموكب تعبيراً صادقاً عن عمق الإدانة للحادثة المخزية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك