حالنا اليوم كله مآس وفتن واضطرابات أمنية وفساد أخلاقي أصاب القيم الفاضلة في مقتل و التي كان يتحلى بها المجتمع، نعيش واقعاً مضطرباً وغير مستقر وتفكك مجتمعي غير مسبوق، وأمامنا مستقبل مجهول بل ومخيف، وكل فرد أو جماعة أو قبيلة أو حزب، عندما يتحدث عن واقعنا يكيل كل التهم على غيره، ولا ينقد ذاته بشيء، ولا يحاول التفتيش عن أخطائه ليصلحها، وكل وقته مشغول بالحديث عن أخطاء غيره، والتعليق عليها، لا تستثنى أية فئة في مجتمعنا من هذه النظرة لذاتها وللآخرين، وواقع حالنا يسوء يوما بعد يوم، ونحن بنفس التفكير والتوجه، والأولى بنا جميعا إعادة النظر في مواقفنا وسلوكياتنا جماعات وأفرادً، فلا شك أننا جميعاً شركاء في الحالة التي وصلت إليها البلاد، مع تفاوت بالنسب، وأصبحنا بدون مرجعية جامعة وبدون معيار حقيقي نقيس به سلوكنا وتصرفاتنا مع بعضنا ومع وطننا، المقياس الغالب لنا جميعاً الذي نقيس به من حولنا، إما حزبي، وإما قبلي وإما شخصي صلحي، وإما شللي، وغيبنا مقياس العدل بين الجميع وفق المعيار الإلهي:(ولا يجرمنكم شنئان قوم على الاّ تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى)، نتعصب لمن هو معنا حتى ولو كان مخطئا، ونمقت ونعارض من يخالفنا في الانتماء السياسي أو القبيلة ولو كان محقا، متجاهلين قول الحق سبحانه:( ولا تكن للخائنين خصيما) نقدم المعايير التي ذكرتها على الكفاءة، ومن يتولى منا أمراً من شئون الدولة لا يستشعر أنه مسئول أمام الله على الجميع ويجب أن يعامل الجميع محباً ومبغضاً بمعيار واحد .. يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسيدنا سعد بن عبادة: لا أحبك، وكان عمر أميراً للمؤمنين، فرد عليه سعد قائلا هل عدم حبك لي يمنعني حقاً من حقوقي.، قال عمر: لا، فكان جواب سعد: إذن لا ضير، إنما يبكي على الحب النساء، فليس شرطا أن يحب المسئول كل الناس بدرجة واحدة، ولكنه واجب عليه وشرط أساسي أن يعامل الناس معاملة واحدة وبمعيار واحد، أساسه العدل والمساواة. هناك مخربون في وطننا لا يرجى صلاحهم بل أنهم يمارسون كل السوء ويتبعون كل الوسائل الشيطانية لإفساد الناس وتمزيق البلاد، فهؤلاء يجب أن لا يكونوا قدوتنا، وأن لا نقيس أعمالنا بأعمالهم وبالتالي نستصغر أخطاءنا مقارنة بجرائمهم، لنقنع أنفسنا أننا أفضل وأحسن، بل الواجب أن نضرب الأمثلة بالقدوة ونسعد الجميع ونشعر كل أبناء الشعب أننا لا نفرق ولا نستأثر بشيء دونهم. وأن المسئولية مغرم لا مغنم، نمارسها سلوكاً وليس كلاما مناقضا لما نسلكه، أقول ما ذكًرت ويشهد الله اني أتحسر ألماً للواقع المر الذي نعيشه، ولا أقصد أحداً بعينه ولكني أقصد نفسي أولاً وربما أقصد قوى الثورة لأنها الجهة المعوّل عليها أن تخرجنا من الحالة التي نحن فيها وتضرب الأمثلة بالقدوة، ولأنها تحملت أمانة التغيير بمحض إرادتها، ليلتف السواد الأعظم من أبناء الشعب حولها إذا اطمأنوا لحسن أدائها وصدق توجهها لتحقيق المواطنة المتساوية، لأننا لن نستطيع أن نغادر الحالة التي نحن فيها إلا بوجود القدوة التي تحتضن الجميع وتشعرهم بالحرص عليهم، وتتعامل بمسئولية رجال الدولة لا بروح العصابة، ومالم نصدق الله أولاً ثم نصدق أنفسنا ونغيرها من الداخل فلن يتغير حالنا إلا إلى الأسوأ وصدق الله القائل:( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). اللهم غير أنفسنا إلى الخير وإلى ما تحبه وترضاه، وأصلح ذات بيننا واحفظ بلادنا من كل سوءٍ ومكروه.