أيام تلو أيام وشهور تلو شهور وأعوام تلو أعوام و(الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)، والنفس البشرية عدو لدود للإنسان؛ فإما أن يزكيها ويروّضها على الصلاح والخير وفعله فيكتب لها النجاح والفلاح والفوز، وإما أن يتركها تصول وتجول بلا خطام ولا قائد يقودها فيكتب لها الفشل والخسارة والندم والعياذ بالله. ها هو العام 2013 رحل عنا من غير رجعة، رحل بأيامه ولياليه السوداء والبيضاء، رحل بأفراحه وأتراحه، رحل بأنواره وظلامه، وجاء العام 2014 (واثق الخطوة يمشي ملكاً)، ليدخل على يمن الإيمان والحكمة على استحياء ونفوس اليمنيين مشرئبه تتمناه أن يكون عاماً يغاث فيه الناس وفيه يفرحون. وقد يقول قائل: كيف تفرح نفوسنا بالعام الجديد واليمن الجديد ووجوه المسؤولين في الدولة وقاعدتها ووسطها هي الوجوه نفسها؟ ويقول آخر: مادامت أوضاع اليمن كما هي لا تتغير قيد أنملة ولم يلمس أي مواطن يمني ذرة من تغيير حقيقي، فما الذي سيغيره العام 2014 في معادلة اليمن الجديد؟ ويقول آخر: لقد احترق رأسي شيباً بسبب الوقائع التي تمر بها اليمن في كل الأعوام الماضية وأنا مازلت آمل بيمن آمن ومزدهر لكن أخاف أن يكون نهاية أملي القبر، حاله كما قال الشاعر: وما شاب رأسي من سنين تتابعت عليَّ؛ ولكن شيبتني الوقائع ويحدّث آخر قومه: أيها الناس اصبروا وتحملوا المشاق والمتاعب وقسوة الحياة ولا تحزنوا على انعدام المياه وضرب الكهرباء وأنابيب النفط فإن النصر قادم والنصر صبر ساعة، ويرد عليه قومه: الصبر واجب، لكن ما فائدة صبرنا وتحملنا للواقع المأساوي ولا نرى مسببات النصر واضحة للعيان، ولا نسمع بوادر مليئة بالحزم والقوة قد بدأت بالتطبيق في واقع اليمن الجديد، وما فائدة الصبر والنفوس البشرية متناحرة متباغضة، وكل نفس بشرية همها نفسها فقط ولا يهمها الآخرين ومستقبلهم وحياتهم المعيشية.. وهكذا كل يدلو بدلوه، وتشاع الشائعات، وكلّ يغني على ليلاه في كل وقت وحين، وقد تكون تلك الأقوال صادقة ومدلولاتها صائبة، لكن واقع اليمن الجديد والحالي والصائب يقول: لابد من نظرة أخرى مغايرة وواقعية تؤسس لليمن الجديد ومنبعها النفس البشرية؛ فإن صلحت صلح سائر اليمن وإن فسدت فسد سائر اليمن. إن النفس البشرية في واقع اليمن الجديد ينبغي لها أن تكون مبادرة إلى الخيرات، ومتعاونة على البر والتقوى، وآمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، رادة للمظالم، قاضية لحوائج المسلمين، مصلحة بين الناس، ملاطفة للأيتام، عارفة بحقوق الفقراء والمساكين والجيران والوالدين والأرحام، زاهدة في الدنيا، تاركة للشبهات، حسنة الخلق، متمتعة بالحلم والأناة والرفق والإخاء والإيثار والأخوة والصدق والأمانة والتواضع والتقوى، مراقبة لله تعالى في السر والعلن، مبتعدة عن الظلم والغضب والكذب والرشوة والفساد والغش، طيبة الكلام، حافظة للسر، مليئة باليقين والتوكل والصبر والتوبة، مخلصة لله تعالى في القول والعمل، مستقيمة على الطريق المستقيم؛ طريق الاستقامة والصلاح والوحدة والاتحاد. إذا استشعر الإنسان هذه القيم حق الاستشعار ورأى نفسه قد التزمت بها فإن قواعد وأعمدة ورؤوس اليمن الجديد ستزدهر وستفلح وستنهض حتى من العدم ليس في العام الميلادي الجديد فحسب بل في كل الأعوام، و(ستؤتي أكُلُها كل حين بإذن ربها)، ومتى ما رأى الإنسان أنه مقصر في ذلك وكانت أساساته وقواعده هشة فإن بناء اليمن سيسقط لا محالة، ولاشك أن الإنسان سيسقط في وحل الرذائل والفجور؛ مصداقاً لقوله تعالى: (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)، فأي الطريقين أهدى سبيلاً؟!. [email protected]