تبدو حاجة اليمنيين المُلحة في هذه المرحلة ضرورة مغادرة مربعات الماضي وتناسي أوهام القوة عند البعض أو الشعور بالضعف والاستلاب عند البعض الآخر مع ما يتطلب ذلك من ضرورة النظر إلى أهمية وجود رؤية مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تلك المرارات ومجمل التطلعات التي يعوّل عليها الجميع بأن تكون المخرج الآمن لمجمل تحديات المرحلة . وتكمن أهمية الدعوة إلى تضافر الجهد الوطني في اتجاه إنجاز هذه التسوية وفقاً لمعطيات، لعل في طليعتها اقتراب موعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل من جهة واتساع التباينات بين أفرقاء هذه التسوية من جهة ثانية ،فضلاً عن رهانات بعض قوى الخارج التي تعمل للحيلولة دون إنجاز هذه التسوية التاريخية بين اليمنيين . ولأن القضية الجنوبية هي المرجعية الأساس لهذه التسوية ،فإن وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية التي أطلقها الرئيس عبد ربه منصور هادي الأسبوع المنصرم يمكن أن تكون بمثابة الأرضية المشتركة للحل ، فيما ترى فيه بعض الأطراف خروجاً عن أبعاد مشروعها لإقامة بنيان النظام اليمني الجديد وتحديداً تلك النظرة القائمة على التمسك بنظام الإقليمين . وفي الوقت الذي تتجدد فيه أهمية الدعوة إلى الاصطفاف الوطني في اتجاه محاصرة هذه التحديات أو في الإطار الذي يكفل توفير القناعات بأهمية إعادة بناء الثقة المتبادلة ..تبقى المسؤولية مناطة بقدرة هذه الأطراف التعامل مع طبيعة هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن ..وبالتالي التسليم مجدداً بأهمية استكمال مخرجات مؤتمر الحوار القائم على قاعدة التنازلات المتبادلة ومغادرة تلك الحقب التي تذّكر الجميع بمرارة الاختلاف والتناحر. ولاشك بأن المسألة الحيوية في الربط بين مختلف هذه الحلاقات والقناعات يستوجب التأكيد مرة أخرى على استكمال باقي ملفات التسوية السياسية، ومنها ملفا بناء الدولة والقضية الجنوبية وباقي الإشكالات التي تمثل عقبة أمام مختلف الجهود الوطنية والأممية التي تأمل تخطي هذه الصعوبات والانتقال إلى المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية للتجربة اليمنية . في تصوري المتواضع ،فإن مغادرة القوى بأوهام السلطة والقوة ومكامن الضعف والخذلان تساعد كثيراً لتهيئة المناخات الملائمة أمام التعجيل بتفكيك العقدة الأخيرة للتسوية بين أفرقاء الداخل حتى قبل أن نرمي أسباب ذلك على بعض قوى الخارج الإقليمي ..المطلوب –فقط- استثمار هذه الفرصة التاريخية التي أتت إلينا على طبق من ذهب والواجب يحتم علينا ألا نفرط بها تحت أية أوهام !!