بمعزل عن الأجواء الاحتفائية التي تعم أرجاء الوطن بحلول اليوبيل الذهبي لثورة 26 سبتمبر 1962 م فإن ثمة ما يستدعي طرحه من تحديات ماثلة يعيشها الوطن خلال هذه المرحلة ، ولا بأس هنا من استعراضها بهدف التنويه إلى مخاطرها ومحاصرة تداعياتها...وبالطبع فإن مثل هذه الإشارات التي أعاقت انجاز كافة مهام و أهداف الثورة اليمنية لا تقلل من عمق التحولات التي أحدثتها الثورة سواء في بنية المجتمع أو النظام السياسي .. وعندما أتحدث عن مثل تلك العقبات التي اعترضت مسيرة ثورة سبتمبر فإنني أعني أيضاً ثورة 14 أكتوبر والاستقلال الوطني في 30 نوفمبر وانتهاء بالخيار الوحدوي في 22 مايو 1990م، حيث إن كلها مجتمعة بمثابة سبحة متكاملة تؤكد واحديه الثورة وتعكس الوعي المضطرد للإنسان اليمني في زمن استثنائي ذي خصوصية محلية وتداخل إقليمي ، ويمكن التوقف عند أبرز التحديات الراهنة ونحن نلج عقداً جديداً من عمر الثورة باعتمارها تخضع بالنتيجة إلى إفرازات تنامي الوعي الوطني بأهمية التحول من سياقات الدولة الثورية إلى الدولة المدنية الحديثة.. هذا إذا ما أغفلنا جانباً من الحسابات الإقليمية الرامية بأن تكون اليمن بؤرة خصبة وبوابة لتصفية حسابات هذه القوى مع بعضها البعض والتي تحرص دوماً على إبقاء اليمن في حالة من الاضطراب السياسي والاقتتال الأهلي تنفيذاً لتلك الغايات. إذاً يمكن وضع الأصبع على تلك التحديات والمتمثلة في ثلاث قضايا رئيسة :- أولاً :- تحديات التسوية وتتمثل حالياً في التحديات التي تواجه الحوار الوطني باعتباره المخرج الوحيد من المأزق الخطير الذي وصلت إليه الأطراف المعنية بعد كل هذه العقود من الثورة و الاستقلال والوحدة بكل أزماتها وتعقيداتها ونكساتها جراء الحسابات الخاطئة وغياب الرؤية المستقبلية لدور الدولة والمجتمع في بيئة متغيرة.. وهي السياسات التي يمكن تبريرها في جملة المعطيات و التدخلات التي أحاطت بهذا التحول التاريخي وعملت على تعطيل مساراته المتعددة ، حيث لا يمكن التقليل من أهمية الحوار الوطني الذي يجري الإعداد له بوتيرة عالية والذي اتفقت عليه جميع الأطراف في أن يكون ملاذاً ومخرجاً آمناً لمجمل تلك التحديات و المشكلات الراهنة والمستقبلية المنتصبة أمام سعي هذه الأطراف لصياغة عقد اجتماعي جديد يفضي إلى قيام الدولة الديمقراطية الحديثة، ولذلك فلا غرابة أن يعوّل العامة من الناس على لجنة الحوار الوطني في أن تكون بمثابة المخلص من أسر الحالة الراهنة بما يعني ذلك من تجنيب اليمن الدخول في منزلق الخيارات الصعبة والمريرة. ومن منطلق هذه التطلعات التي يعلق عليها اليمنيون آمالهم في التغيير المنشود فإن مسؤولية النخب تتضاعف إزاء الدخول إلى الحوار الوطني الشامل بروح متحررة من عقد الماضي وعلى قاعدة واضحة من التوازن في تمثيل مكونات المجتمع وأطيافه السياسية ، يلتقي فيها الجميع على القواسم المشتركة لتحقيق تلك التطلعات وفي مقدمتها استكمال المرحلة الانتقالية بالنجاح المطلوب والتي يمكنها أن تؤسس لفترة قادمة مبنية على وحدة الهدف باتجاه بناء هذه الدولة الحديثة والديمقراطية المتطورة . ثانياً :- تحديات التنمية والتي تمثل عائقاً رئيساً أماماً انجاز مهام المرحلة الراهنة والمستقبلية على حد سواء وحيث يتفهم جميع الأفرقاء هذه الإشكالية فإن جهد القيادة السياسية بزعامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي متواصلة لجذب الموارد الاقتصادية من خلال استثمار التعاطف الإقليمي والدولي مع اليمن لإخراجه من أزمته الراهنة ، حيث يتوقع أن تؤتي جولته الأوروا- مريكية الراهنة بنتائج مثمرة تنعكس على أوضاع التنمية وفي مقدمتها التحديات الاقتصادية الصعبة التي تعيشها اليمن حالياً، إذ يمكن القول إن حل المشكل الاقتصادي هو بمثابة مشروع إنقاذ وطني متكامل لتحقيق الأمن و الاستقرار .. وهي مسألة ليست بحاجة إلى مزيد من التفصيل ، خاصة إذا ما عرفنا افتقار حكومة الوفاق الوطني للموارد الأساسية واتساع رقعة الفقر وانتشار نسب البطالة فضلاً عن المشكلات الاجتماعية والسكانية الأخرى وأعباء هجرة اللاجئين الأفارقة وغيرها من التحديات التي تلقي بظلالها كذلك على مسار التسوية السياسية. ثالثاً :- تحديات الموقع بالنظر إلى الموقع الجيوستراتيجي الذي لا يمكن لأي مراقب التقليل من أهميته، كونه يعد الخاصرة المهمة لدول مجلس التعاون الخليجي ومطلاً على أهم ممرات الملاحة الدولية التي يمر عبرها قرابة 70 % من إمدادات النفط العالمي ، و بالتالي فإن انعكاس الاختلافات السياسية إقليمياً يؤثر على الحالة اليمنية حيث تعتبرها بعض الأطراف مكاناً مناسباً لتصفية حساباتها مع الأطراف الأخرى من خلال التلويح بورقة تهديد أمنها و استقرارها عبر البوابة اليمنية ، ولذلك علينا أن لا نتناسى مثل هذا التدخل ونحن نناقش قضايا الحاضر والمستقبل ، وهو ما يستدعي ضرورة وضع رؤية جديدة للسياسة الخارجية تضع أمام الأسرة الدولية مخاطر هذه التدخلات وتحث كذلك على ضرورة الدعم لتأمين مناخات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، باعتبار أن ذلك هو المخرج الذي يقوي الجبهة الداخلية في وجه التدخلات الإقليمية التي باتت تظهر في أكثر من قناع وشكل. - فهل حان الوقت لأن يتعظ اليمنيون وهم يستذكرون دروس وتجارب وانتكاسات الثورة حتى يتمكنوا من الاتفاق على عقد وطني جديد يساهم في بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والمتطورة ..أم أنهم سيكررون ارتكاب نفس الأخطاء وإعادة إنتاج تلك المشكلات والأزمات !!