قرأت قبل أيام في موقع إلكتروني تابع لمركز آفاق للدراسات والبحوث مقالاً بعنوان «في الممارسة السياسية» كتبه محمد محفوظ , وقد صادفت قراءتي لهذا المقال محاولاً النظر والتفكّر في انحرافات الممارسات السياسية في العالم العربي, وقد أفدت من المقال كثيراً في بحثي حول هذا الموضوع المهم في هذه المرحلة من الاضطرابات السياسية التي تمرّ بها الدول العربية في هذه المرحلة. الممارسة السياسية في اليمن وفي العالم العربي بأكمله تحتاج إلى إعادة نظر, فمعظم الجماعات والأحزاب السياسية تمارس السياسة على مستوى الشعارات واليافطات التي تدغدغ عواطف الجمهور مجنِّدةً لذلك وسائل الإعلام المختلفة مسبغةً عليه غطاءً دينياً مناسباً, فتقدم خطاباً مليئاً بالكلمات الرنانة التي يرغب الجمهور في سماعها فتلهب مشاعرهم وتثير حماستهم بأصواتٍ خاوية دون تقديم مشروع فعليّ، اجتماعي، سياسي يتناسب مع حجم الشعارات المرفوعة, ومع ذلك فهي تطرح الرؤية والهدف دون أن تتقدم نحوهما خطوةً واحدة. وكثيراً ما تجد أصحاب هذا الصخب هم الذين يتقدمون المشهد السياسي ويقفون في المنابر الإعلامية, فتجد صورهم مرفوعةً في كل مكان وشعبيتهم تتزايد باستمرار, وهم في الحقيقة عاجزون عن تقديم أي شيءٍ للجماهير المضلّلة, بل وكثيراً ما تتسبب ممارساتهم غير المحسوبة إلى خسائر مادية ومعنوية تجر البلاد إلى الخلف, خاصةً حينما يطرحون مواقفهم في معادلة صفرية لا تقدِّر الواقع ولا تتناسب مع الممكنات المتوفرة, إما النصر المؤزّر أو الهزيمة النكراء. وهم كثيراً ما يتنادون إلى وحدة الصف بينما واقعهم يَشِي بتجزئته وتمزيقه, بل يسعون إلى إيقاد نار الفرقة والكراهية بين مختلف الفئات, ويدعون إلى الاستقلال وفي حقيقة أمرهم هم غارقون في الخضوع والانقياد لعناصر خارجية. يبحثون عن المكاسب السريعة التي لا تحلّ أزمة ً- سوى مؤقتاً - ما يزيد تجذّرها, ويركضون خلف المصالح الشخصية بعيداً عن مصلحة الوطن وهم يتغنّون في كل يومٍ باسمه. الممارسة السياسية في الحقيقة هي إدارة جيدة لمصالح العامة لتغيير الواقع وبناء المستقبل, وذلك من خلال حسن إدارة الممكنات والتعامل مع المعطيات بشكلٍ إيجابيٍ غير متطرف, بحيث تُقدم مشاريع اجتماعية سياسية ممكنة التنفيذ على أرض الواقع دون مجازفة, وذلك للحصول على إنجازات بسيطة تتراكم على مدى زمني محدّد مهما طالت المدّة, مع إقامة التحالفات مع الأطراف المختلفة وإقامة علاقات طيبة وودِّية معها حفاظاً على وحدةِ الصف ومصلحة الوطن, مع العلم أن هناك من يقوم بذلك ولكن لا تجد له قاعدةً شعبية, ذلك أن الجمهور يبحث عن الحلول السريعة التي تخلِّصه من واقعه المرير دون أن يفكر في إمكانية تحقيقها.. لقد اعتاد الجمهور على سماع الطبل الأجوف ما يؤدي إلى تأبيد التخلف وتمكين الجهل, هذا إلى جانب أن البيئة السياسية ذاتها عبارة عن بيئة موبوءة بالفساد مغلقة بإحكام, سرعان ما تطرد خارجها كل من يحمل نَفَسَ المصداقية والإخلاص والحرية. يجب أن تكون الممارسة السياسية رافعةً للواقع وممثِّلةً للمشروع الوطني الأكبر ومحقِّقةً لطموح المجتمعات, وليست مناكفات ومماحكات واغتيالات ورشاوى وبيع لمصالح الوطن على طاولة المزاد العلني العالمي, فتضيع الجهود وتجرّ البلاد والعباد إلى مالا تحمد عقباه. فمتى يدرك السياسيون أن الشعوب ملّت أساليبهم الغوغائية__؟ وأنها تبحث عن الخلاص لتستظل من الرمضاء بالنار؟.. [email protected]