ان اي قضية انسانية تغيب عن المعنيين بها فكرتها المحورية تصبح قضية مدمرة , ذلك ان الوضوح يأتي دائماً وابداً من وضوح فكرته اولاً واخيراً , وما يشهده المجال السياسي في الاقطار العربية من واقع تدميري , مصدره غياب الفكرة الواضحة عن حقيقة اختلافنا وصراعاتنا على السلطة والحكم . غياب فكرة الاختلاف عن المجال السياسي , غيب عن واقع المختلفين رؤية الحدود الفاصلة بين المشترك الجامع والاختلاف المشروع في دائرة المشترك , فكل تيار سياسي لا يرى في المختلف عنه سوى النقيض التام الذي يضيق دائرة الوجود بصورة لا تتسع فيها سوى لفريق لا يشاركه او ينافسه في هذه الدائرة أحد سواه . دعوني اقف بالموضوع عند القضية الفلسطينية حيث الاختلاف واقع تاريخي لم يتبلور كفكرة واضحة لدى فصائل حركة التحرر الفلسطيني , لذلك بدد جهود التحرير وانزلق بحركته الى مستنقع التمزق والاقتتال , فإذا كانت القضية الفلسطينية ملخصة في ثلاثة حقوق هي حق تحرير الارض وحق العودة وحق تقرير المصير, فإن وسائل النضال لاستعادة هذه الحقوق المغتصبة محل خلاف يتوزع بين الكفاح المسلح والتسوية السلمية , لكن وحدة القضية حجبت اختلاف الواقع , وغيبت عن الفصائل مشتركها الجامع ودائرة الاختلاف , فضاعت معها القضية وتحولت اولويات النضال الى المصالحة الوطنية بين الفصائل المتناحرة. غياب فكرة الاختلاف , ترسخ في مجالنا السياسي نزعة التسلط الاحادي واتجاهات الغاء الاختلاف وإقصاء المخالف واستبعاد المختلف , وهي النزعة التي تستدعي الدين لتبريرها بالتكفير أو الوطن لتبريرها بالتخوين أو المجتمع لتبريرها بالتحريم والتجريم , وهكذا تستمر دوامة الصراع الالغائي وتستمر مآسي الصراع على سلطة تتسع لكل خلاف واختلاف إن نحن انطلقنا اليها من فكرة المختلف , وأعدنا صياغة صراعاتنا على ضوء هذه الفكرة وبمرجعية ما يتشكل بها من واقع ومتاحات . آن لنا ان نستحضر فكرة الاختلاف , لنتصرف وفق واقع الحال المتجسد بها والمجسد لها في صيرورته التاريخية من الامس الى الغد , ذلك ان تغييب المختلف عن التفكير لا ينتج سوى بؤس التصور المنغلق على الذات المتضخمة بأحاديتها والمتعالية عن واقع متنوع ومتعدد , ويتسع بمشتركه الواسع لكل خلاف واختلاف , فقط إن نحن استحضرنا فكرته من سراديب الغياب وتحركنا بها على ارض مشتركة وفي حياة تتوحد فقط على تنوعها واختلافها الكبير والكثير . albadeel.c@gmailcom