مكتوب على المرء أن يحيا حياة واحدة؛ أن يفهم تجاربه هو التي تهديها له الحياة؛ أن يتعلم بقدر ما يعيش، وينتفع بقدر ما يتعلم.. لكن هل حياة واحدة تكفينا؟! في السابق على الأرجح نعم؛ لأن الحياة البسيطة التي كانوا يعيشونها لا تهديهم الحياة على قدر بساطتها بل تصقلهم صقلاً يكون فيه المرء مقدراً لقمة الحياة التي يعيشها، أما نحن فصبغة الحياة السريعة جعلت تجاربنا على تنوعها شحيحة إذا ما قورنت بالأولين؛ لذا لزمنا أن نقرأ لنعوض ذلك الفارق الذي يمنعنا من فهم حياتنا بشكل صحيح. القراءة ليست ترفاً كما تعلمنا؛ إذ أننا غالباً ما نقرأ في وقت الفراغ؛ أو نمارس القراءة كهواية.. الشعوب الحية لا تقرأ للهو أو للتسلية أو لملء الوقت الفارغ؛ بل تقرأ لتعيش.. وجباتنا الثلاث مهمة، لكننا لا نقرأ.. إذاً عقولنا ميتة منذ زمن طويل! ووجب علينا بعثها من قبور صمتها؛ وبث الروح فيها بالقراءة المنوعة التي تضمن لها حياة لائقة بمكانتها التي خلقت لها. القراءة لا يجب أن تكون في المجالات التي نهواها مثل الأدب، أو الرياضة أو الألغاز. هناك كتب من الأهمية بمكان أن يطالعها المرء ولو مرة في حياته؛ منها الكتب الفكرية؛ تلك التي تجعلنا على إطلاع كيف يدور الواقع من حولنا.. ومنها الكتب المتخصصة في الجغرافيا أو السياسة أو الطب، حتى وإن لم نستوعبها بشكل كامل، سنستوعبها بقدر كافٍ يضمن لنا فهماً صحيحاً للحياة من حولنا. ومنذ صارت القراءة ترفاً؛ أو تسلية في ثقافاتنا الدارجة صرنا مجرد عبء على هذه الدنيا، وسادت فينا ثقافة الاستهلاك، حتى المعلومة التي تنتجها الشعوب الأخرى نستخدمها كاستهلاك دون أن نستفيد منها! وجب علينا كجيل بدأ يعي خطورة وضعه الحالي أن نعيد للقراءة مكانتها، لا القراءة الانتقائية، بل الممنهجة التي تساعدنا على أن نعيد لأنفسنا مكاناً في جدول الأمم الصانعة للحضارات. وما لم نتخذ خطوة كهذه لن نبقى مجرد أمة استهلاكية؛ بل سنتحول إلى لا أمة! ولن يجدينا البكاء على أطلال حضارتنا القديمة، فالقديم يموت إن لم يُستفد منه في الحاضر لبناء المستقبل.