في السياسة لك أن تصنع دروعكَ الخاصة لتحمي نفسك وتُحارب الآخرين لتوقعهم في المشاكل وإن كان استخدامك لها فوق كل القيم والأخلاق, قد تنجح في أن تصنع درعاً قوياً متماسكاً ولكنه قد يكون ضعيفاً إن لم تُحسن اختيار المواد اللازمة. هذا يحدثُ في اليمن, و أصبح الأمر طبيعياً جداً, إذ أن الأحزاب السياسية لا تُجيد سوى إدارة الأزمات بمفهومها الذي صنعه الرئيس السابق وليس بمفهومها الحقيقي بالإضافة إلى أنها تُدير كل شيء وتتعامل معه بعقلية مخابراتية بحتة ورثوها إما بالممارسة أو أنهم كانوا تحت ذلك العذاب أو لأن بعض الأحزاب في اليمن لا تعدّ كونها عصابات وعليها التعامل بهذه الطريقة أو رُبما هم في حالة لا يفقهون فيها ما يفعلون. عند كل قضية تحدث في اليمن تسعى كل المكونات لجعلها درعاً سياسياً لحمايتها من خصومها وترمي بهذه القضية على الخصوم لتُحاول أن تُبطئ من تحقيق النقاط في ملعب السياسة. والتاريخ البعيد والقريب يثبت ذلك وآخرها الحراك الشبابي في 2011 وصولاً إلى دماج, هذه القضية المُعقدة الأبعاد والتفاصيل. هناك في الشمال قضية كما الجنوب, صنعها الجميع ولعب بها الجميع باستثناء من يهمهم الأمر, حين ارتضوا لأنفسهم عدم المشاركة في اللعبة وقبلوا أن يكونوا أدوات لتنفيذها, رفضوا أن يكونوا فريقاً في الملعب وأصبحوا كرة وعارضة وشبكة, خضعوا لأطراف اللعبة من جعل منهم ضحية أو عدوا ولم يقبلوا أن يكونوا خارج المعركة إلا حين رفض اللاعبون الأساسيون أن يبقوا فيها. هنا في اليمن, ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطر على قلب بشر, الكلُ يُقاتل سياسياً أو عسكرياً, الكل يدّعي أنه يتلقى أوامره من الله والنبي أو الزعيم أو السيد أو الشيخ أو باسم الشعب المكسور المُستخدم من الكل ضدّ الكل, وهو الضحية في كل الحالات. تُدار المعارك من شرفات الفنادق والقصور داخل الوطن وخارجه, بحجة أنهم يواجهون الطغيان والذي يُجسدونه في الحقيقة, ويستخدمون كافة القضايا المُتاحة لتكون هي الجدار الذي يحميهم من الهجوم, ولأننا نُفكر بشكل عاطفي حدّ السذاجة ك مواطنين فإننا نبدأ في الدفاع والصراخ من أجل أفكارنا لا من أجل القضية, من أجل أحزابنا لا من أجل الإنسانية, من أجل أن لا نُصبح مثلهم لا من أجل أن لا يصبح الشعب كله كذلك, ونغفل الحقيقة. الحقيقة التي يجب أن نفهمها حقاً, الانسجام.. كيفما كانت ألواننا وأفكارنا مع مساحة جغرافية تتسعُ للكلّ لا تلغي أحداً أو تقصي آخر, تدعمُ اختلافاتنا قبل أن تكسرها, تجمعنا في مساحات متعددة ولا تفرق نسيجنا الواحد. الكل يرفضُ الكل بأمر سماوي أو وضعي حد تعبيرهم, ولم يفكروا أبداً أن رسالة السماء هي أن يكون من في الأرض سواء. كفى الوطنُ أن يكون مجرد درع سياسي يغطّي سوأة أطراف اللعبة أو يحميهم, والمواطنون فيه أحجار تتساقطُ على رقعته من أجل الملك. علينا أن ننظر إلى أبعد من أنوفنا, علينا أن نتوقف عن عدم معالجة التفاصيل والوقوف عليها, إذا مرض الوطن لا تكفي العملية الجراحية دون معاينة والمعاينة لا تكونُ بدون إجراءات الفحص والتحليل والأشعة, تشخيص المشكلة تشخيصاً دقيقاً يُناسب تعقيدها سيوصلنا إلى الحل الذي لا تكون فيه هذه المشكلة مجرد أداة للكسب ومن ثم تسكنُ سلة التاريخ.