التنافر الطائفي والمذهبي واقع تفرضه التعبئة الخاطئة للأتباع والأنصار الذين يجدون في إظهار العداوة للطرف الآخر ضالتهم، ويجدون في هذا الإظهار مرتعاً خصباً لتعهُّد أفكارهم الطائفية وسقطاتهم المذهبية بالعناية والرعاية كخطوة أولية لتعميمها وفرضها على الواقع المعاش، تأكيداً على هيمنة الأحادية المذهبية، وعدم القبول بالآخر والسعي الدؤوب إلى استئصال شأفته، فالتعصُّب الطائفي والمذهبي أخطر أسقام الأمة العربية والإسلامية، فهو أسرع فتكاً بوحدة الأمة، وهو الذي يغذّي نزعة العنف تجاه الآخر وإحداث شروخ في جدار الأمة السميك في سبيل التعجيل باحتضارها وذهاب ريحها وقوتها. على أن الأمة العربية والإسلامية مرّت بخطوب عظام تأججت فيها صراعات الفرق الطائفية عقب عصر الخلاقة الراشدة الذي يعد خير القرون مع تلك الفترة التي سبقتها والتي ساس فيها النبي والرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم الأمة في الرعيل الأول في صدر الدعوة الإسلامية وأزهى عصور الخلافة، ومع ذلك شهدت الأمة في عز صحوتها ويقظتها الإيمانية تنوّعاً مذهبياً بين المذاهب الأربعة الشهيرة «الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية» إذ سجّلت الأمة اقتداراً عظيماً في التعايش المذهبي الذي لم يدفع بالأمة إلى الاقتتال والاحتراب، فالتعدُّد في الاجتهاد ظاهرة صحية، وهو تعدُّد تنوّع، لا تعدُّد اختلاف؛ ذلك لأن الدين الإسلامي الحنيف يُعلي من شأن العالم «بكسر اللام» المجتهد، فإن أصاب في اجتهاده فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، حيث لم يظهر على أئمة المذاهب وأتباعهم أي تعصُّب للرأي؛ بل إن أحد أئمة تلك المذاهب يقول: “إن صحّ الحديث فهو مذهبي”. وفي يمننا الحبيب أتقن الزيود والشوافع فنون التعايش السلس فيما بينهم على الرغم من وجود الحركة الحوثية ذات التوجُّه الشيعي الأثنى عشري التي صدعت بأفكارها في الآونة الأخيرة عقب ثورة الشباب الشعبية السلمية، وأذكت روح التعصُّب وإقصاء الآخرين من أهل السنّة، وانتهاج سبيل العنف والإرهاب، واستخدام القوة ضد أولئك المخالفين في إخلال لقيم التعايش، حيث اندلعت مواجهات في صعدة “دماج” وفي مناطق من محافظة عمران والجوف، فتم احتواء الموقف في دماج بصُلح؛ إذ تم إخراج الأطراف من السلفيين ما خلق سخطاً وتذمُّراً شعبياً واسعاً على ذلك الإقصاء؛ إذ لا بديل عن التعايش وفق اشتراطات التفعيل، وعلى رأسها عودة الأهالي إلى ديارهم في دماج، وتسليم الحوثي للسلاح الثقيل والمتوسط دون أي قيد أو شرط، ووقف إطلاق النار في المناطق الأخرى، وتجريم التعصُّب للرأي، مع ضرورة قبول الآخر.