تذكّرني عودة علي عبدالله صالح من الموت بعد حادثة جامع النهدين 3 يونيو 2011م، بقوله تعالى{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْعُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (المؤمنون 107-106). ولعل شقاوة هذا الرجل لم تسنح له في التكفير عما تسبب به من شقاوة لليمنيين طوال الثلاثة عقود الماضية، وستمتد آثارها إلى عقود قادمة؛ ففرصة النجاة من موت محقق عرفه وذاق طعمه لم تكن نعمة بالنسبة له كما يبدو، بل هي متممة لشقاوة الرجل الذي يبدو أنه لن يغادر المشهد إلا في حالة أسوأ من سابقتها. ومع ذلك فإن كل الأطراف السياسية التي تتهم الرجل في المكايدات الإعلامية بإحداث الإرباكات في طريق الانتقال السياسي والوقوف خلف حالة عدم الاستقرار في البلد التي ترقى في كثير منها إلى جرائم تمس الأمن القومي، يجب أن تدفع بما لديها من أدلة دامغة، وهي لا شك تملكها ضده إن صدق زعمها، يجب أن تدفع بها للرأي العام في الداخل، قبل التلويح بعقوبات ضده عبر مجلس الأمن الذي ستبقى أدلته وقرائنه مخفية عن الناس، الناس الذين لن يعرفوا وقتها سوى أن علي عبدالله صالح أدين، ولن يعرفوا ربما حتى وقت طويل من الآن لماذا أُدين وبماذا؟. وإن كنا على قناعة ببشاعة فترة حكم الرجل خلال 33 عاماً، التي لم يكن ليحكم بتلك الطريقة دون جرائم محققة وفساد موثق، لا نملك منه أية أدلة أو قرائن كمجتمع رغم الآثار التي ترتبت عنها أفعاله السيئة؛ إلا أن الأفعال التي قد يكون ارتكبها بعد فترة حكمه تحتاج أكثر إلى تبيان ماهيتها وحقيقتها للناس كافة. الآن وطالما الرجل لم يعد على كرسي الحكم، فليس من المجدي خوض هذه المماحكات ضده، إما البيِّنة على كل ما يفعله، وإما السكوت، إذ قد يكون الرجل بالفعل ما زال يضمر للبلد شراً، فقد أضمره وهو يحكم والبلد تغدق عليه خيراتها، وليس بمستبعد أن يكون الرجل قد نوى توبة بعد أن عاد إلى الحياة ثانيةً، وما كل الاتهامات ضده هنا وهناك إلا لجعله ذريعة لأخطاء غيره. في كل الأحوال فإن بقاء الرجل في البلد يشكّل عائقاً، سواء أكان ما زال يستهوي لعبه القديمة، أو أنه تحوَّل من فاعلٍ سياسي إلى ذريعة بيد فاعلين غيره؛ وهو إن كان فاعلاً مختلقاً للأزمات فهذه هواية قديمة لديه، وإن كان ذريعة فقط بيد الغير فيبدو أن الرجل ستهوى لعب دور الذريعة ليعطي للآخرين مساحة واسعة من العبث يحقق من خلالها نظريته في أن العهد الذي تلاه لم يكن بأحسن من العهد الذي حكمه؛ وفي كلا الحالتين فالرجل لعنة حقيقية أحاقت بالبلد ولن نتخلص منها إلا بالتخلّص منه. إن بقاء هذا الرجل في المشهد السياسي سواء في الحكم أو كشريك، وحتى إن تحول للمعارضة، هي لعنة حقيقية أصابت هذا البلد منذ عرفته؛ كما أن التستر عليه من قبل الأطراف السياسية الأخرى في حالة أذنابه، أو تحويله إلى مجرد ذريعة تعلّق عليها أخطاء الحكم بعده، هي استمرار للعنة هذا الرجل الذي يشقى هذا البلد بممارساته أو بممارسات غيره الذين سيستمرون باجترار الشقاوة بذريعة وجوده. twitter@ezzatmustafa