أصبح من الضرورة بمكان أن نواجه أخطاءنا الفردية أو الاجتماعية بشجاعة وتعقل كبيرين ، إن أردنا أن نتخلص من عقدنا النفسية وأمراضنا الاجتماعية وتكالبنا الطائفي الذي يحاول أن يُعيد تكييف حياتنا وفق متطلبات صراعاته المرحلية ومصالحه المحلية والإقليمية ، متناسين أن أي مدخلات موبوءة ستزيد الحالة الاجتماعية تعقيداً وصعوبة . إن ثقافة الاستبداد التي أفرزتها السلطة عبر قرون من الزمن، قد تسربت إلى كل جوانب الحياة ، تعايش المجتمع معها حين شعر أنه لاحول له ولا قوة أمام وسائل وحيل وإمكانيات أصحابها والقائمين عليها ، بل واستجاب وأذعن لكل مطالبها ، بحجة اختيار طريق السلامة ، في الوقت الذي يتحول ذلك التعايش مع الاستبداد إلى إقرار وشرعنة لاستمراره في حياة المجتمع. المجتمع اليمني ضاق ذرعاً بالاستبداد، سواء في السلطة أو في صوره الكثيرة والمنتشرة في كل مرافق ومؤسسات المجتمع، حتى تحول إلى غذاء يومي في المدرسة والمسجد والزوايا والأربطة العلمية ودواوين المشايخ والوجهاء، باعتبارها القادرة على تربية الأجيال على تقبل الاستبداد وتحوله إلى ثقافة يومية يتعايش الجميع معها ويتقبل كل ما يصدر عنها من سلوك وإفرازات. جاءت الثورة اليمنية لتعلن الرفض القاطع والنهائي للاستبداد في السلطة والانفراد بها ومن ثم إخراجها من دهاليز الأسرية والسلالية إلى مكانها الطبيعي في حياة المجتمع ، لكن الثورة تركت ثقافة الاستبداد التي قد تعايش الناس على اختلاف شرائحهم معها دون أي تغيير أو معالجة ، الأمر الذي أبقى المجتمع في حالة من الاضطراب والقابلية لأي متسلط لديه الرغبة في امتلاك أدوات ووسائل الاستبداد، وقدرته على فرضها وتخليق كل المبررات المرحلية للتعامل بها وإقناع المجتمع بكل الوسائل لتقبلها والتعايش معها . الثورة اليمنية كانت قد أوجدت كل الحوافز المرحلية والتاريخية والاجتماعية للتخلص من ثقافة الاستبداد وإنهاء سيطرتها على الوعي الاجتماعي واستبدالها بثقافة «خدّام لا حكّام» القائمة على المشاركة الفاعلة والمتوازنة لكل مكونات المجتمع في إدارة السلطة، والعمل المنظم لإصلاح وتغيير المجتمع باتجاه تحمل مسؤوليته وإشرافه المباشر واليقظ على كل مجريات حياته وطرق ووسائل تعاطي القائمين على السلطة مع حقوق الإنسان وتنمية المجتمع ومحافظتهم على ثروات ومقدرات وكرامة الشعب . التخلص من ثقافة الاستبداد يعني عدم ذهاب المجتمع إلى النوم والغياب من جديد ، لأن ترك السلطة في أيدي جماعة تحتكرها وتختزلها أسرياً أو قبلياً أو مناطقياً أو طائفياً يعني عودة المجتمع إلى مربع الضياع ومواطن الاستبداد والفوضى الدائمة . ثقافة الاستبداد مازالت تختفي في منابر مساجدنا ومناهجنا الدراسية وفي زوايا مختلفة من عقلية المعلم والإدارة المدرسية والمؤسسات القائمة على التربية والثقافة والإعلام والجامعات وبقية مؤسسات الدولة ، وكأن لسان قولهم «إنما العاجز من لا يستبد» .محاربة ثقافة الاستبداد لن تكون إلاّ بإشاعة ثقافة حق المشاركة بكفاءة واقتدار ونظام وقانون واحترام لحق الآخرين في كل ما لنا حق فيه دون إنقاص او إقصاء ، ذلك هو سبيلنا إلى اليمن الجديد . [email protected]