إن الوقفة المهمّة والمنتظرة والتي يحتاجها المجتمع اليمني من أجل صيرورة التغيير بما يخدم إصلاح الحاضر والتنبؤ للمستقبل في الأيام القادمة يمكن أن تختزل في تجرد كل القوى السياسية عن الأحقاد والحسابات المؤجلة، وتخلصهم من المشاريع الضيقة التي حالت دون قدرتهم على إحداث التحوّلات الكبرى، لتكون الحركة في اتجاه العمل التاريخي المنتظر. ثمة أمانة تاريخية تلزمنا جميعاً الحرص على إحياء الضمير الوطني وتعاطيه مع مثل ما نحن مقدمون عليه من تغيير، وأن نمارس إعادة البناء للسلطة التنفيذية بأمانة وشجاعة خدمة لمجتمعنا وتطويراً لنظامنا الديمقراطي الذي لم يبلغ الرشد بعد. الضرورة المرحلية تقتضي إعادة بناء مؤسسات الدولة بما يوازي تطلُّعنا إلى التغيير الإيجابي، ودعم التعددية السياسية التي تكاد أن تتحوّل إلى تجمعات مغلقة تغذّي الحقد والكراهية بدلاً من إشاعة ثقافة المشاركة الاجتماعية في هذا التحوّل. احترام النظام والقانون والالتزام بهما من قبل الجميع قد أعطى ثماراً وتطوراً ونهوضاً بمعدلات خيالية في المجتمعات التي استطاعت تحقيق نجاحات واقعية في تغيير وعي وسلوك الإنسان الذي يُعد طاقة التحوّل الفعلي، نظراً لامتلاكه القوة والقدرة الذاتية المطلوبة، وهذه كلها هي المميزات التي تحتاجها الديمقراطية اليمنية الوليدة، حتى نستطيع أن نرتق المسافة الفاصلة بين التنظير والتطبيق والوعي والواقع، والنص والممارسة لخلق القاعدة اليمنية المؤمنة بضرورة التحوّل المنظم والإصلاحات المثمرة. إن النظام الديمقراطي اليمني الجديد على ما فيه من مساوئ يعتبر نقلة نوعية في الجانبين الإنساني والحضاري في تاريخ الإنسان اليمني، ولابد من السعي الجمعي الحثيث لتطويره وتنميته وتحسين وسائله ومؤسساته، وألا نتركه يتعرّض للضربات التي قد تفقده توازنه. إحداث توافق شعبي سياسي اجتماعي حيال المجالات التي لابد أن يطالها التغيير والتجديد المستمر حتى لا نظل في موقع التتلمذ للآخرين، مع أننا نمتلك كل مقومات المعلّم والموجّه الحضاري، مثلما يجب أن يحصل توافق سياسي اجتماعيً في القضايا المصيرية التي تتعلق بالدستور اليمني، والأهمية القصوى لإعادة النظر في بعض مواده الحيوية بقصد خلق مساحات جديدة للإبداع وتخليق التميُّز. تحقيق الحماية الذاتية والموضوعية لنظامنا الديمقراطي تستدعي الوقوف الطويل أمام الكثير من مفردات الدستور اليمني، خدمة للحق العام وحماية لليمن الأرض والإنسان، وأن نعمل على تخليق دستور حي ومرن قابل للتطور والإضافات اللازمة إن رأينا الحاجة إلى ذلك. من المؤكد أن صلاح وقوة الدستور اليمني ستكون مستمدة من ذاته وطبيعة وحيوية مواده المتجدّدة مع العصر، والتي لا يجب أن يجد الجمود والتحوصل إليها سبيلاً، بل تظل في حالة تدافع إيجابي مع الواقع المعيش، وتطور البشرية الذي لا ينتظر أحداً أقعده عجزه وجموده. اعتمادنا فقه الواقع كمنطلق لبحث ودراسة دائمة لما يتطلّب التطوير وإعادة البناء وفق التحوّلات الوطنية والحاجات الملحّة محلياً ودولياً ستمكننا من إحداث التحوّلات الكبرى في حياة المجتمع اليمني الذي عانى كثيراً ضيق الفهم وضيق المشاريع التي تفد إليه بين الحين والآخر. إننا أمام مسؤولية وطنية وهي عمل شاق، وشاق جداً لكون العمل الذي ينتظرنا سامياً وغايته نبيلة وأخلاقية، وعلينا أن نتعدّى اهتماماتنا وغاياتنا ومصالحنا الشخصية، وأن نذوب جميعاً في عمق المصلحة الوطنية، لنلتقي ونتفق ونتوافق من أجل قيادة سفينة التغيير الوطني من أجل اليمن الموحّد الديمقراطي الجديد. [email protected]