من الضروري جداً الدخول في تفاصيل الإصلاحات السياسية والإجتماعية والاقتصادية المرتقبة، وصولاً إلى تحقيق الأهداف الكبرى التي كانت وراء ذلك التغيير بعد رحلة ما يقرب من نصف قرن من الزمن في حلبة الازدواجية بين النظرية والتطبيق، والواقع والممارسة. الحل الأمثل هو نقل المركزية من الفرد إلى المؤسسة، ومن العاصمة إلى الأقاليم، لأن ثمة ارتكاناً ملحوظاً من قبل غالبية القيادات في السلطة على شخص المسئول الأول وقدرته على استيعاب المتغيرات، الكثير منهم يبقى منبهراً ومعجباً بنشاطه وحكمته وإدارته للمتناقضات الاجتماعية والسياسية، إن لم يصل به تفكيره إلى التغني بتلك القدرات وكيل المديح لها والوصول من خلالها إلى مكاسب شخصية. لابد من الانتقال السريع والمنظم إلى آلية مرنة ومحمية من الفساد والتسيب من خلال إعادة النظر في فلسفة نظام الحكم وعلاقته بالمواطن ، والعمل على تفعيل قوة وجودة الدولة كأهم ما نحتاجه في عملنا المؤسسي. إن إخراج الإنسان اليمني من حالة العدائية المفرطة ضد نفسه وضد كل ما يمت إلى التغيير والتطور والنهوض بصلة هو أول الأهداف التي تقودنا إلى التحول والتغيير، ومن ثم عبور الجسر الذي يربطنا بالمدنية كأسلوب حياة وثقافة إنسانية راقية والتعاطي مع التغيرات البشرية المتلاحقة، لا أن يكون التعامل مع المدنية كحقبة تاريخية زمنية فقط معزولة عن الممارسة والملامسة للواقع الاجتماعي. الخروج من دائرة الترويج الإعلامي للتغييرات إلى المحك الاجتماعي لتنزيلها أمر مطلوب حتى لا تفقد قوتها، ومن ثم التوجه إلى المربع الموضوعي فيها والمقاصد الوطنية الكبرى التي تقبع وراءها، حتى تتضح للجماهير اليمنية المكاسب التي ستبرز من خلال هذا التغيير، والبدء في تصحيح الأخطاء والاختلالات السابقة. فك التنازع والتداخل في الاختصاصات والمسئوليات الوظيفية بين مؤسسات السلطة يُعد من وجهة نظري تطوراً وطنياً وموضوعياً ودفعاً قوياً للخروج من حالة الجمود والرتابة والترهل الذي أصاب الجهاز الإداري للدولة ومن ثم الانتقال إلى مربعات أكثر رقابة ومحاسبة ومسئولية والتزاماً أخلاقياً بثوابت الوظيفة العامة. إن المرحلة الراهنة تستدعي منا إبراز جوانب الضعف والقوة عند كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، وأي منها يحتاج إلى إصلاحات جوهرية حتى تكون مفيدة للمجتمع اليمني ، ومن الأكثر مرونة وشفافية وتجدداً في خدمتها للمجتمع، وأي منها يساعد في خدمة الديمقراطية اليمنية ويعزّز دولة المؤسسات ، وهل سنواجه مصاعب ومشاكل في الواقع عند الاحتكاك به حتى يتم استباقها ووضعها قيد الدراسة والبحث، ومن ثم يعمل المعنيون على تلافيها وعدم الوقوع فيها مستقبلاً؟. في الوقت نفسه لابد من استحضار التجربة اليمنية لما يقرب من نصف قرن ومكاشفتها لمعرفة أين تكمن الازدواجية وتتصادم الصلاحيات والمصالح؟، والوقوف على المداخل التي يتسرب منها الفساد الإداري والتسيب واللامبالاة، وظهور الطابور الطويل من قناصي الفرص وسماسرة الارتزاق على المداخل الآمنة في القانون والمؤسسات ومن ثمة مراقبته ومحاسبته. معرفتنا بقوة وقدرة المصالح المتصارعة في الساحة اليمنية ستكون مفيدة وواقعية عندما نضعها على طاولة الحوار المفتوح مع القوى السياسية والاجتماعية للخروج بقناعات وطنية ترفد مسيرة التغيير وتدعمه بالقوة العملية والقدرة التغييرية المطلوبة، للوصول إلى اليمن الجديد. [email protected]