تعددت الجُمع في بيانات وبرامج الشارع العربي الممتد من المحيط إلى الخليج ، الشارع اليمني مازال مندفعاً في التعاطي مع تلك التسميات التي اتخذت طابع العنف والتهديد والوعيد مع السلطة الحاكمة في اليمن بلغة جديدة لا تمت إلى الحكمة أو القاموس الديمقراطي أو السياسي أو الديني أو الأخلاقي بصلة . تعددت التسميات النارية للجمعة في ذاكرتنا الاجتماعية، لم يطلق الشارع اليمني حتى الآن على جمعة منها بجمعة الحوار والحكمة، تمشياً مع المنهج الإسلامي الوسطي الذي أرساه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مع المختلف معهم سواء في شعب مكة أو الحديبية أو فتح مكة... الخ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مرجع تلك التسميات التي توزعت بين الغضب والزحف، واقتحام لغرف النوم، بدلاً من مكاتب الرئاسة وحقائب الحكومة. ثمة سؤال موضوعي ومحوري يفرض نفسه أمام اليمنيين جميعاً المعتصمين منهم وغير المعتصمين، الحزبيين والمستقلين المبدئيين والنفعيين، الشرفاء والانتهازيين العلماء والمثقفين المدنيين والعسكريين، لماذا لا نخصص الجمعة المقبلة ونطلق عليها «جمعة الحكمة والحوار»؟ يتفق فيها الجميع على كيفية انتقال سلطة الحكم ومن ستؤول إليهم حمل الأمانة والانتقال بالمسؤولية إلى مربع الديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة، حتى لا يحصل ارتداد عن الوحدة والديمقراطية والمجتمع المدني ودولة المؤسسات . «جمعة الحكمة والحوار» المقبلة يجب أن تكون منطلقنا إلى انفراج حقيقي في الحالة اليمنية، وتداركاً للأمور قبل فوات الأوان، وانزلاق اليمن إلى السيناريو المخيف والمقلق. الخروج من عنق الزجاجة الملتهبة إلى الحلول والمعالجات الحكيمة الملزمة لكل الأطراف ستحول دون تدهور الأوضاع أو تأزم أكثر في المشهد اليمني ، لأن تسليم السلطة للمجهول أمر لايقبله عقل ولا يخدم التغيير المنتظر في الحياة اليمنية، بل على العكس سيفاقم من الأزمة، ناهيك عن تربص الحالمين بالسلطة والحكم، أو الناقمين على اليمن واليمنيين جغرافياً وتاريخياً ، الأمر الذي يفرض على الجميع السلطة والمعارضة عدم التهور في التعاطي مع الأحداث والجلوس إلى طاولة الحوار لوضع التدابير اللازمة لتسليم السلطة بما يخدم اليمنيين ويقيهم نتائج الفوضى والعنف والاحتراب . اليمنيون بحاجة إلى التغيير السلمي الآمن والحكم المدني الذي يضمن استقلالية المؤسسة العسكرية والأمنية وحياديتها وعدم تعاطيها مع المعارك السياسية، حتى لا تنقسم على نفسها وتتحول إلى متاريس مناطقية وقبلية أو مذهبية أو حزبية ، اتساقاً مع كون المؤسسة العسكرية والأمنية صمام أمان للمجتمع والديمقراطية ، لأن انسحابها إلى الفوضى والصراع مع هذا الطرف أو ذاك يعني التدمير لا التغيير، العنف لا السلام ، التشظي لا التوحد والتماسك الوطني. ساحات الاعتصامات الحالمة بالتغيير لم يعد الشباب هم الفاعلين فيها ، اقتحمها مشائخ السوبرمان والحزبيون والانتهازيون والمتخمون بالفساد والمتنفذون والمتسلقون والاحتكاريون وغيرهم، ممن يبحثون عن الأدوار والسلطة والمال والنفوذ والغنيمة ، إنهم يسرقون ثورة التغيير من أصحابها . ستبرهن الأيام القادمة أن المخاض مازال عسيراً والمراحل مازالت تتوالى، المهم ألاّ نفقد الحكمة في اللحظة التي نحتاجها لليمن، الأرض والإنسان. [email protected]