إن الثورة اليمنية مازالت تتشكل وتنضج في وعي الإنسان اليمني بعد نصف قرن من النضال والصبر التضحيات والشهداء، الصعود والهبوط، الحرب والسلام، التصالح والخصام، البناء والهدم، التعقل والجنون.اليوم ونحن نقف على مفترق الطرق الملتهبة، تدفعنا المصالح والمشاريع الموهومة باتجاه المجهول، لا حكمة فيه ولا تعقل ولا قبول بالحوار، كأن الأمر دُبر بليل، لم يبق سوى تشكيل المجلس والدفع بأطراف كانت قد انتهت صلاحيتها، عجزت عن التغيير من موقع مسئولياتها وصلاحياتها أمام الله والشعب حينها. ما يظهر للسطح من صور وبيانات قاصرة تدعو للاستغراب والاشمئزاز من تلك الدعوات المتقاتلة باتجاه الحكم والسلطة والتي فقدت الصواب والحكمة معاً. جلوسنا إلى طاولة الحوار لا يستدعي ذلك الخوف والتوجس، إلا إذا كنا نعلم إفلاسنا من الحقيقة أو خوفنا من الطرف الآخر، كل ذلك يبدو واضحاً حين يرد على دعوات الحوار بالرفض والإدبار مع أن الحوار منهجنا الحضاري والإسلامي لبناء الحياة. التغيير الآمن يحتاج إلى الصبر والمصابرة ورفع وتيرة الوعي وبناء قناعات حقيقية في التغيير لدى الجماهير اليمنية حتى تُحسن الاختيار وتتعلم كيف تغير القيادات عبر الصندوق وبطرق سلمية، لا أن تتوجه لاقتحام المؤسسات وتدميرها وإحراقها على طريقة آل الأحمر وتوكل كرمان وطابور طويل من المهووسين بالعنف والفوضى. القفز بالأمور والأوضاع بتلك الكيفية التي تسعى لتدمير الدولة أمر لا يقبله اليمنيون، لأن عهد الانقلابات قد تجاوزناه، لا حاجة لنا باستعادته وإحيائه، الشباب المعتصمون بحاجة إلى التزام السلمية والعمل على التغيير السلمي وعدم التعاطي مع المشاريع القائمة على الإقصاء وتصفية الحسابات بواسطتهم، لأن الاندفاع باتجاه العنف سوف يدمر اليمن وتتحول الثورة إلى لعنة تاريخية وإنسانية. إن الحوار المطلوب لا يعني الاستسلام لهذا الطرف أو ذاك، بل هو الطريق الأسلم لنقل السلطة سلمياً ودستورياً، لأنه مهما كلفنا الجلوس إلى طاولة الحوار من تنازلات وصبر وتعب خير من الدفع باليمن الأرض والإنسان إلى المحرقة والضياع، إلا إذا كان علماء وعالمات الفتاوى الجاهزة يعتبرون أن الحوار مفسدة كبرى، وأن إثارة الفتنة والفوضى وتدمير البلاد وتجويع وتشريد العباد مفسدة صغرى إن لم تكن مصلحة يؤصلون عليها شبكة من المقاصد لتتوافق ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يحلم البعض بأن يكونوا أدواته القادمة. أي تغيير هذا الذي يقصي الجميع ولا يعترف إلا بطرف؟ التغيير على طريقة المجلس الانتقالي الليبي ضرب من الجنون والغباء.العجيب.. إن جيشاً جراراً من الساسة والمتنفذين والمخضرمين وعلماء السياسة ورجال الفكر أعادوا نفس مقولة اليمنيين لبلقيس “الأمر إليك” مما يدفع للقول بأن الأمر أكبر من كل أولئك، والمخرج يريد ذلك لأن المشهد الانتقامي لم يكتمل بعد، واللاعبون الجدد ليسوا أكثر من “كومبارس” يحلون به المشاهد ويغطون بهم الفراغ. الحوار هو الحل لبناء توافق يخرج اليمن من عنق الزجاجة قبل أن تنفجر، عودوا للقرآن الكريم وتعلموا منه منهج الحوار الذي لم يستثن حتى إبليس على غروره واستكباره، فهل أنتم أعلم وأعظم من المولى عز وجل؟. [email protected]