نكتشف مع الوقت إن المعالجات التي نتخذها لحل الإشكاليات، تتخذ شكلاً جديداً من المشكلات، فيما تظل الإشكالات القديمة قائمة فإننا نبرع عادة في خلق تعقيدات جديدة إضافة إلى السابقة. في المراحل التاريخية التي تتطلب تغييراً كبيراً وحقيقياً، يجب أن ننظر إلى الأشخاص؛ تغيير الأشخاص مهم طالما لم نمتلك رؤى لشكل التغيير الذي نريده؛ حتى إن قاد هذا التغيير إلى الأسوأ فإن الاستمرار بالمطالبة بتغيير ما هو سيئ وما هو أسوأ يجب ألا يتوقف، إلى أن نصل إلى الفاكهة البعيدة في الصندوق التي لم تُصب بالعطب والتعفن بعد. من عيوب اليمني الذي ترك السهول واستوطن المرتفعات المطلة عليها إنه قصير النَفَس، ولعل هذه الصفة لازمته من حين قادته ظروفه أو هو اعتاد السكن في مناطق مرتفعة كثيراً عن سطح البحر حيث الأكسجين أقل، وقد اعتاد مسئولوه على تعجيزه من خلال إرضائه بسلك الطريق الأقصر للتغيير، أو لنقل التغرير بإيهامه بالتغيير، فكلما ضجر اليمني من أوضاعه البائسة وقرر الانتفاض عليها، اقتنع بدعوات التغيير التي تأتي ممكن كانوا سبباً في بؤسه، ليكتشف بعد وقت أن التغيير الذي زين له بزينة حسنة كان أسوأ مما كان عليه. ولعل الحل هو أن يقتنع اليمني في أن التغيير بحد ذاته حل، بشرط استمرار الفعل والرغبة في التغيير؛ والتغيير هنا لا يمكن إلا أن يكون بالجديد، وأعني هنا الشخوص؛ وإن قاد الجديد إلى سيء فإن استمرار الرغبة في الوصول إلى الأفضل ستأتي من خلال استمرار السعي لاجتثاث كل ما هو جديد وسيء. التغيير الذي يقود إلى ما هو أسوأ محبط، وهو طريق سالك يوصل إلى قناعة الرضا بالسيء، ويصل أحياناً إلى الكفر بالتغيير من خلال الإبقاء على الأسوأ خشية أن يأتي ما هو أسوأ منه، وهنا تكمن مصلحة من لا مصلحة له في التغيير. إننا نتحوّل من جمهورية بنظام رئاسي، إلى دولة اتحادية بنظام رئاسي، ويرى البعض أن تتحول هذه الدولة إلى النظام البرلماني، رغم عدم وجود مؤسسات دولة تحمي النظام أصلاً، بما فيها عدم وجود برلمان يُعتمد عليه وطنياً، ويقول الواقع الهش الذي نعيشه أننا نعيش في ملكية الفساد، وتحت رعايته ووصايته. إنها ملكية مقيتة، التوارث فيها حسب القربى والانتماء للفساد، سواء على مستوى الأفراد، أو على مستوى الأحزاب إذا ما انتقلنا إلى نظام برلماني؛ إذاً ماذا عملنا ونحن ننتقل بالتغيير من إبدال سيء بسيء داخل نفس المنظومة الحاكمة التي تجمعها أواصر القربى ذاتها؟! إن التغيير يتطلب صعود أسماء لم يسمع بها من قبل، وخفوت أخرى كانت تملأ البلد ضجيجاً، وهكذا دواليك حتى نصل إلى ما يمكن أن تحدثه التغييرات في الأشخاص إلى تغييرات على الأرض نرضاها، برأيي هذه الطريقة الوحيدة للتغيير، طالما لم نملك حتى الآن رؤى محددة لما نريده منه. Twitter @ ezzat mustafa