عندما قامت ثورة سبتمبر 1962م فهل كانت تستطيع دعوة قوات من أي نظام عربي لحمايتها أو نصرتها ويستجاب لها؟ أم جاءت الدعوة من توقع تجاوب واستجابة من قبل الزعيم القومي جمال عبدالناصر؟.. من الوجه الآخر لماذا اتجه الإمام "البدر" وبقية أفراد الأسرة بعد الفرار من صنعاء صوب السعودية والحدود معها، ولم يتجه أي منهم نحو عدن حيث الاستعمار البريطاني لطلب دعمه أو للحصول على حق اللجوء السياسي وفي بريطانيا؟!. إذاً هل الصراع الجمهوري – الإمامي تداخل بالصراع القومي- الرجعي أم أن الصراع الأخير تدخل؟.. عموماً فقط ظلت الحرب قرابة ثماني سنوات ولم تحقق نصراً حاسماً للثورة بدليل إطباق الملكيين على صنعاء وحصارها فيما عرف ب "حصار السبعين" بعد رحيل القوات المصرية خلال هذه السنوات بمتغيرها وتغييرها واقعياً ووعياً، كان في معطاه صعوبة أو استحالة عودة الإمامة ونظامها حتى لو انتصر الملكيون. ولهذا جاء الاتفاق أو الصلح مع الملكيين ليعالج سياسياً أوضاع الصراع داخليا كطرفين كشراكة حكم عبر عنه أحد أفراد وأحفاد الأئمة حديثاً وفي هذا العام 2009م وهو علي بن إبراهيم بقوله عن الرئيس عبدالرحمن الإرياني "إنه إمامي ظل طريقه فوجد نفسه رئيساً للمجلس الجمهوري". من وجه الصراع الخارجي لذلك الصراع الداخلي فالطرف المنتصر كان السعودية التي بات الطرح عنها بعد ذلك بالشقيقة الكبرى، كون السعودية لا تحبذ ألقاب كالعظمى التي أخذت بها الجماهيرية الليبية فيما بعد. إذاً فالطبيعي أن يكون للسعودية حضور وتأثير في الوضع أو الواقع الجديد وفي النظام الجديد لليمن، في كل الأحوال فالسعودية أكثر من استوعب اليمنيين كعمالة واستوعب الفارين أو المنفيين سياسياً من الأئمة أو السلاطين أو قادة جبهة التحرير أو غيرهم، وإن كانت جرت ترتيبات لاستضافة الرئيس عبدالرحمن الإرياني بعد إقصائه والرئيس علي ناصر محمد بعد الوحدة للإقامة في بلدان أخرى. محطة حرب 1994م كشفت وبلورت تطور أوجه وجهات الصراع داخلياً وخارجياً، حيث الوجه الأممي فقد التأثير أو بات أثراً والوجه القومي ضعيف التأثير والحاضر هو وجه وتوجيه الصراع داخلياً وخارجياً، فإذا كان الوجه الداخلي هو الوحدة أو الانفصال فحسابات الوجه الخارجي مع الانفصال. التطور في الوجه الداخلي للصراع كان في التسامح الذي أبداه النظام بما لم يحدث في الصراعات العربية بالتعامل مع أفراد اللواء الذي كان بعمران وبقرار العفو العام وصولا إلى قرار العفو عن قائمة ال16. التطور في الوجه الخارجي للصراع تمثل في تلاقي الأثقال العربية القومية والرجعية والأممية في واحدية أو توحيد الموقف ضد الوحدة بأي حسابات أو لأي حسابات، والجديد في هذا التطور والذي حدث لأول مرة توزيع الفارين من الحرب أو ما سمي معارضة الخارج على بلدان عربية كالسعودية ومصر والإمارات، وتكفل السعودية مثلا بدفع رواتب لبعض هؤلاء الذين اختاروا الإقامة بالقاهرة. حسم حرب 1994م لصالح الوحدة هو الذي أعاد الصراع الخارجي إلى نقطة الصفر الأساسية التي ظلت مهملة أو مهمشة مع الأحداث، وهي الحرب الحدودية بين يمن الإمامة والسعودية عام 1934م، والتوترات والمناوشات الحدودية التي جرت بعد 1994م تؤكد ذلك.. وحسنا فعل النظامان بالوصول إلى اتفاق الترسيم النهائي للحدود عام 2000م وقبل عام أو أكثر بشهور من أحداث سبتمبر 2001م التي غيرت العالم أو تغير معها العالم، ولكن صراعات اليمن لا تفهم في التغيير غير تغيير النظام في اليمن فيما لا تعي ما يفترض تغييره فيها كصراعات. فالنظام في صنعاء من وضع اتفاق الصلح مع الملكيين مارس نفس الرياض بنفس جمهوري كقول الرئيس عبدالرحمن الإرياني "الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة أو بالخيانة" والمعني الأحزاب القومية والشيوعية. وفي وجوه أخرى لم يكن أمامه غير التوقيع على تجديد اتفاق الطائف الذي أبرمه الإمام بعد حرب 1934م، والذي يمثل آلية أو خطوطاً عريضة لحل مشكلة الحدود بين اليمن والسعودية. وهكذا فمسألة الحدود ظلت نقطة ضعف النظام في صنعاء ليهاجمه من خلالها بتركيز ناجح النظام الآخر الشيوعي في عدن، ومع ذلك فهذا الوضع المعلق لمسألة الحدود هو الذي عطل تحالفاً ممكناً أقوى بين النظام في صنعاء والسعودية أو عطل مداً أقوى ودعماً أسخى من السعودية. تمديد اتفاق الطائف أو التوقيع عليه من قبل النظام الجمهوري في صنعاء كأنما مثل شرطاً حاضراً في توقيع اتفاق الصلح مع الملكيين أكثر منه توقيع تجديد تلقائي في كل مدة زمنية تنقضي. وإذا كان رئيس الحكومة الذي وقع الاتفاق دفع حياته ثمنا "القاضي عبدالله الحجري" حيث تعقبه الاشتراكي إلى أوروبا وصفاه كخائن، فذلك يضاف إلى حقيقة أن الوضع السياسي والشعبي للنظام في صنعاء لا يسمح له بمفاوضات تصل إلى حسم لحل مشكلة الحدود.. فبانهيار الشيوعية وما سارت فيه قيادات الاشتراكي من مواقف وعلاقات حميمية مع الرياض وغيرها حتى الآن، هو الذي جعل النظام في وضع قوي للوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود عام 2000م غير أن الحسم من قبل الطرف الآخر ظل مرتبطاً بنتيجة حرب 1994م وما بعدها أو تداعياتها. وهكذا فواقعيا ما يوقعه أي نظام أو حاكم لبلد في مسائل كالحدود هو ملزم لأي نظام يليه، ولكن القومية حين جاءت صنعاء زايدت أما الشيوعية في عدن فذهبت إلى غلو فاحش في المزايدة تجاه هذه المسألة. إذاً فالقاضي الحجري لم يرتكب جرماً ليحاكم أو يصفى ويعدم ولكن المزايدة أدانته وحكمت عليه وأعدمته أو صفته في أوروبا، ولو أن الاشتراكي تولى ملف وقضية الحدود بعد الوحدة لقبل بأقل ما يقبل به أو بما لم يقبل به القاضي الحجري الذي خونه وصفاه.. الاشتراكي قبل الوحدة ظل يزايد على الوحدة وعلى الحدود بانتظار الثورة العمالية العالمية، وفرض الشيوعية على العالم ولكنه بعد الوحدة بات يمارس المناقصة تجاه الوحدة والحدود. الاشتراكي بعد الوحدة لم يعد يزايد على نظام خارجي أو قضية وقضايا وطنية تتصل بالخارج، بل هو في هذا يناقص ويمارس المناقصة حتى تجاه ذاته كمراهنة ومداهنة والانتقال من الانتماء إلى الارتهان والارتماء. إنه لم يعد يزايد إلا على النظام والأوضاع الداخلية.. والاشتراكي الذي أسس ثقافة المزايدة في كل اتجاه قبل الوحدة ولم يحتفظ بعد الوحدة إلا بالمزايدة داخليا هو الذي أسس ثقافة المناقصة بعد الوحدة تجاه الوطن وقضاياه الأهم بما في ذلك الوحدة. نظام الوحدة لديه قلق إلى حد الخوف من الصراعات الضاغطة عليه داخلياً وخارجياً إلى درجة استحالة أي تدخل أو تداخل مع أي صراع خارجي – خارجي، وكون الصراعات الداخلية الخارجية اختارت مسبقاً موقفاً لها من اليمن ووحدتها كان لا بد من معتاد ربط الصراع بأخطاء نظام كما الاستعمال حتى الآن فيصنف النظام بين من وقفوا مع غزو الكويت، لقد نسف العطاس – رئيس الحكومة آنذاك- هذا الكلام الآن ومن وضع المعارض للنظام وعلى رأس المطالبين بالانفصال، ومع ذلك ماذا يكون هذا الخطأ "المفبرك" حتى لو كان حقيقياً بجانب أخطاء النظام في عدن؟!.. بل ماذا يكون جنب أخطاء أنظمة بكل الثبوتيات في محطة حرب 1994م؟. لعل كل من يقرأ هذا يلمس ويحس أننا بصدد استهداف الوعي للأفضلية وعلى مستوى منطقتنا وأنظمتنا وليس لنبش أو تأجيج أو استدعاء أي صراع.. أنظمتنا ومنطقتنا وشعوبنا بحاجة ملحة إلى وعي مترفع ومرتفع للحد الأدنى إيجابيا في الاستيعاب الجماعي والخلاف لتغيير ومتغير العالم ليستثمر ما أمكن لصالحنا بدلا من استمرار استثماره ضدنا ومن خلال صراعاتنا أو وعيها. مجيء القومية إلى صنعاء ورحيلها كفكر وثقافة ومجيء الأممية إلى عدن ورحيلها كذلك، قد يكون رحيلها رحيلاً أو إضعافاً للفكر وتأثيره ولكنه ليس رحيلاً للثقافة وقدرات وأدوات استعمالها المتعددة والمتغيرة والمتلونة. ولهذا فذوي ثقافات الصراع من السهل عليهم الانتقال من صراع إلى صراع ومجاراة التغيير والمتغير خارج مركزه ومركزية صراعهم الذي تلاقى واجتمع من أجله كل الحوابل والنوابل. ومع هذا فواعون ومثقفون ومفكرون من اليمن لم يشاءوا طرح رؤى استشرافية على مستوى المنطقة فوق الصراعات ووعيها من إحساس قوي، بأن يفهم مثل ذلك كأنما هو استجداء مخرج لليمن كونها الأضعف بين الأغنياء أو بين الأقوياء. مشهد الصراع والمواقف في حرب 1994م زاد ترسيخ مثل هذه العقد حتى أحداث سبتمبر 2001م. مجيء "أوباما" كرئيس للولايات المتحدة يحمل بأي قدر تغييراً إيجابيا تجاه العرب، ولكن ذلك يفرض القراءة الكاملة والبعيدة للتغيير والمتغير في شخصية وسياسات "أوباما" وفي أمور أخرى كثيرة وحيوية تعنينا في واقع الحاضر والمتوقع مستقبلاً وعلينا الاعتناء بوعيها واستيعابها ومن ثم استشرافها الواعي.. إذا ظلينا لا نصل إلى "لاءات الخرطوم" إلا بعد الهزيمة ولا تصالح داخلي في اليمن إلا بعدها ولا نحارب في أفغانستان أو ضد إيران إلا إن أرادت الولاياتالمتحدة، ولا نحقق وحدة اليمن إلا حين تنهار الشيوعية، فهذا هو أسوأ وضع وأسوأ واقع للوعي.. للأنظمة أو لأحزاب وقوى سياسية أو لشعوب. وحيث نختار أسوأ وعي فنحن نختار أسوأ النتائج طال الزمن أم قصر.. فماذا نختار؟!.